الجمهورية
مؤمن ماجد
حاكموا حاتم الطائي
لا تضعوا الزهور علي قبر حاتم الطائي.. لا تخلدوا ذاكره وتقولوا إنه كان أكرم العرب.. لو كان حياً اليوم لطلبت بالحجر عليه ومحاكمته بتهمة "الفشخرة الكدابة" فلم يكن فرط يده جوداً وإحساناً وإنما سفه وتبذير.. ولم تعد تعاليمه تصلح خصوصاً في زمن يجلدنا فيه الغلاء وندخل فيه مع ارتفاع الأسعار في سباق الانفجار.
حاتم الطائي كان من شعراء الجاهلية بقيت شهرته قروناً طويلة نموذجاً للجود والكرم وإن كانت أشهر الروايات عنه أنه استضاف اثنين من الشعراء فقدم لهما ثلاثة من الأبل هدية وبعد أن نظما الشعر والقصائد قدم لهما كل ما لديه من أبل ولم يتبق له إلا جاريته وفرسه.. وفي اليوم التالي مر عليه 3 من عابري السبيل فلم يجد إلا فرسه يذبحه لإكرام الضيوف.
قالوا: إن ذلك دليل الكرم وأظن أنه عنوان للسفاهة والبذخ أو بالبلدي "فشخرة كدابة" يستحق عليها العقاب وليس التمجيد.
مفاهيم حاتم الطائي ترسخت في عقولنا وأصبحنا ننافسه في السفاهة والبذخ.. أنظر إلي الأفراح.. نغالي في التكاليف والمعازيم ونصرف الآلاف.. ويخرج المدعوون يتندرون ويخرج أهل العروسين مثقلين بالديون من أجل الفشخرة الكدابة.
العزومات في منازلنا دليل علي السفه.. نعد طعاماً يكفي ضعف عدد المدعوين.. وبعد انتهاء العزومة يتبقي طعام بايت يكفي أياماً طويلة وربما يكون مصيره في النهاية صندوق الزبالة من أجل الفشخرة الكدابة.
في مشترواتنا اليومية مبالغة وإسراف.. نشتري الفاكهة والخضراوات بالكيلو وربما بالصندوق بينما في الخارج يشترون بالواحدة وتكون النتيجة في النهاية أن جزءاً كبيراً مما اشتريناه يتعفن أو يفسد لأننا لا نجرؤ مثلاً أن نذهب إلي الفكهاني ونشتري 3 صوابع موز.. فشخرة كدابة.
الإسراف والتبذير لبس علي مستوي الأفراد فقط ولكن علي المستوي العام 35% من غدائنا اليومي مهدر.. الفاقد في الأسماك 30%.. المهدر في القمح المستورد والمحلي قيمته 6 ملياراً جنيه.. 40% من موائد الأفراح في الفنادق الكبري لا يأكله الضيوف.. المهدر في الكهرباء 11.5%.. فاقد الدواء قيمته مليار جنيه سنوياً!!
ميزانية أي بيت أصبحت مختلة.. المصروفات تفوق الدخل والفجوة تتضاعف.. الأسعار أصابها الجنون والغلاء يحاصرنا ونحن لا نزال نصر علي نفس سلوكيات الفشخرة الكدابة ولا نزال نخلد حاتم الطائي ونقول إنه أكرم العرب مع أنه لو كان حياً لطالبت بالحجر عليه ومحاكمته بتهمة الفشخرة الكدابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف