دروع وسيوف جديدة، وقذائف مباشرة وثقيلة وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى ضالين، بائسين وحقراء، اعتقدوا أن بإمكانهم المساس بمصر أو إلحاق الضرر بشعبها: «لن تستطيعوا النيل من مصر أو من أشقائنا في المنطقة».. «لا يمكن التسامح مع من يمول الإرهاب بمليارات الدولارات، فيتسبب في مقتل مواطنينا، بينما يتشدق في ذات الوقت بحقوق الأخوة والجيرة.. «دماء الأبرياء غالية، وما تفعلونه لن يمر دون حساب».
على البائسين، الضالين والحقراء أن يركزوا في أحوالهم. أو بصيغة أخرى، «كل قرد يلزم شجرته»!.
هكذا، يمكننا تلخيص كلمة الرئيس في افتتاح قاعدة محمد نجيب، أكبر القواعد العسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط. ولم تكن قد مرت ساعات على ذلك الظهور الكوميدي لـ«الفتى تميم»، الذي بدا فيه مرتبكًا فاقدًا التركيز، كحال من كتب له الكلمة التي خاصمت عباراتها بعضها: «لا أريد أن أقلل من حجم الألم والمعاناة الذي سببه الحصار».. «الحياة في قطر تسير بشكل طبيعي منذ بداية الحصار». وكذا، جاءت عبارات كثيرة تقول معنى، وعبارات أخرى تقول عكسه!. ودعك أي «سيبك» من استخدام من كتب له الكلمة للفظ «حصار» لوصف إجراءات التأديب التي لم تتجاوز إلى الآن حد «المقاطعة»!.
أيضًا، لم تكن ٤٨ ساعة قد مرت على مطالبة مندوبنا لدى الأمم المتحدة، الخميس، بوضع حد لسياسة قطر الداعمة للإرهاب، خلال جلسة لمجلس الأمن تمت خلالها الموافقة بالإجماع على تجديد منظومة العقوبات ضد تنظيمي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيين، ومن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات، مع إلزام كافة الدول بمنع تمويل الإرهاب، أو إمداده بالسلاح أو غير ذلك من أشكال الدعم الأخرى.
«ليس من المعقول أو المقبول أنه في الوقت الذي يقوم فيه مجلس الأمن باعتماد قرارات تبنى الإطار القانوني والعملياتي لمكافحة الإرهاب- نجد أن الأنظمة الحاكمة لحفنة من الدول تضرب هذا الإطار بمعول الهدم، وذلك بانتهاكاتها المستمرة لقرارات المجلس، بشكل علني يصل إلى حد الوقاحة، ودون أي خشية من المحاسبة». وبشكل أكثر وضوحًا، اتهم بيان مصر النظام الحاكم في قطر بأنه يدعم الإرهاب بـ«تمويله وإمداده بالسلاح وبتوفير الملاذ الآمن وبالتحريض، سواء كان ذلك في ليبيا أو في سوريا أو في العراق أو فى دول أخرى».
غير أن ما كان غريبًا وعجيبًا، هو أن يقوم مندوبنا الدائم لدى الأمم المتحدة بتوجيه الشكر لوفد الولايات المتحدة على الجهود التي قام بها لتيسير المفاوضات حول هذا القرار!. بينما نرى ويرى العالم أن أكثر الاستثمارات ربحية في العالم، هو الاستثمار الأمريكي في الحرب، سواء كانت تلك الحرب مع الإرهاب أو ضده!. وهو الاستثمار الذي استخدمت فيه (ولا تزال تستخدم) عملاء أو وكلاء كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التي تحكم قطر بالوكالة، وآخرين يحاولون إخفاء ذقونهم بـ«زمّارة»!. والإشارة هنا مهمة إلى أن الولايات المتحدة دعمت برامج «سرية» لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين في ليبيا، اليمن، ومصر، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كذلك البرنامج الذي أمر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مؤخرًا، بوقفه والذي كانت تديره الـ«CIA» لتدريب ما تصفها الولايات المتحدة بـ«جماعات المعارضة المعتدلة المسلحة» السورية، والتي لا يصفها العاقل إلا بأنها جماعات إرهابية!.
الولايات المتحدة، كما أشرنا أمس، لا يمكنها أن ترفع حمايتها عن الوكلاء أو «العملاء»، إلا مضطرة، اتباعًا لعرف سائد يقضى بحماية «العميل» بعد سقوطه أو احتراقه أو افتضاح أمره!. حتى بعد ظهور أصوات مهمة داخل الولايات المتحدة تطرح أسئلة منطقية وبديهية عن جدوى وجود قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، في ظل ظهور المزيد من الدلائل على دعم الدوحة للإرهاب وتمويلها للجماعات المتطرفة. وكان بين أبرز تلك الأصوات «إليوت بيكر»، الخبير في الشئون الاستراتيجية الأمريكية، الذي طرح أسئلة شبيهة في مقال نشره موقع «ذا فيدراليست»، الثلاثاء، وأعيد نشره في مجلة «فورين بوليسي».
«بيكر» أكد أن استمرار وجود ١٠ آلاف جندي أمريكي في قاعدة العديد الجوية بات عديم الجدوى، وسط تباهى المسئولين القطريين بقدرة البلاد على مواجهة المقاطعة بما تمتلكه من وسائل اقتصادية تعتقد أنها كافية لذلك. مضيفًا أن الولايات المتحدة أصبحت الآن فى أمس الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر جذرية، وإزالة »العكاز»، الذي استندت إليه «قطر» لفترة طويلة. في إشارة إلى قاعدة «العديد»، التي قال إن إغلاقها سيكون أحد التكتيكات المهمة التي يمكن أن تستخدمها واشنطن لكي تجبر قطر على تغيير سياساتها الداعمة للجماعات الإرهابية، طالما أنها لا تتوقف عن التباهي بقدرتها على الصمود بدون مساعدة من الآخرين.
إغلاق الولايات المتحدة لقاعدة «العديد»، في رأي «بيكر»، سيكون ورقة ضغط قوية في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمكن من خلالها تشكيل مسار جديد للعلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط. وتوجيه رسالة واضحة لأبرز حلفائه في الشرق الأوسط، وهى المملكة العربية السعودية، بأنه سيكون صارمًا في مواجهة إيران، لن يسير على نهج سلفه أوباما في تحويل ظهره عن أنشطة المتطرفين»، وبأن أمريكا «تعيد تركيز طاقتها فعليًا لمواجهة الدول الراعية للتطرف».
على أي حال، وسواء رفعت الولايات المتحدة حمايتها عن الوكلاء أو العملاء، أو لم تفعل، فإن ما فعلوه لن يمر دون حساب، ولن يستطيعوا المساس بمصر أو إلحاق الضرر بشعبها: «سند وطنه وسند أمته العربية في الحق والسلام والبناء والتعمير لا في الهدم والتخريب والتآمر».
باختصار، سيلزم كل «قرد» شجرته، صاغرًا ومجبرًا، إذ لن يتمكن من «التنطيط» فوق أي شجرة تحتها أُسُود.