المساء
مؤمن الهباء
المراجعات المطلوبة
تحتفل مصر اليوم بذكري ثورة 23 يوليو 1952 التي غيرت وجه الحياة علي هذه الأرض الطيبة وحققت إنجازات تاريخية هائلة لاينكرها إلا جاحد . في مقدمتها الإصلاح الزراعي وتأميم قناة السويس وتحرير البلاد من الاحتلال الانجليزي وبناء السد العالي ومجانية التعليم وتطبيق برامج اجتماعية لتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة وحماية محدودي الدخل لكن كان لهذه الثورة العظيمة أيضا سلبيات وانكسارات عظيمة تكاد تضارع إنجازاتها الكبيرة ومن أبرز هذه السلبيات تغييب الديمقراطية وتغليب أهل الثقة علي أهل الخبرة وتسميم المناخ السياسي بالاستبداد وفرض الرأي الواحد والفكر الواحد وهو ما حول قائد الثورة إلي ديكتاتور وزعيم أوحد . وحرم مصر من أن تطبق البند السادس من أهداف الثورة الذي ينص علي "إقامة حياة سياسية سليمة".
وقد أدي هذا الإخفاق إلي نتائج وخيمة علي مصر كان أهمها نكسة يونيو 1967 وتفشي الفساد وانتشار مراكز القوي وتدهور التعليم والخدمات العامة وانهيار البني التحتية وتدهور الاقتصاد وهو مادفع عبدالناصر نفسه تصحيحه في "بيان مارس" معبرا عن دهشته من الهوة السحيقة التي وصلت إليها البلاد.
وفي مرحلة تالية تم الانقلاب تماما علي سياسة عبدالناصر وفكر عبدالناصر الذي هو فكر الثورة وتم تشويهه وتشويه سياساته علي مدي 40عاما وتراجعت مصر عن التصنيع الوطني ومجانية التعليم والقطاع العام وانسحبت من محيطها العربي والإفريقي واتجهت إلي أمريكا والغرب وصار العدو الإسرائيلي هو "صديقي بيجن".
وكان واضحا أن أكثر من شوهوا ثورة يوليو وشوهوا عبدالناصر شخصيا هم الذين نافقوه وصنعوا منه إله العصر ونبي الزمان . عبدالحكيم عامر الذي قال : عقمت النساء أن تلد مثل عبدالناصر . فعبدالناصر لايولد إلا مرة واحدة" هو نفسه الذي قال فيه مالم يقله مالك في الخمر عندما اختلفا بعد النكسة والسادات الذي كتب "ياولدي هذا عمك جمال" هو نفسه الذي مشي علي خط عبدالناصر بأستيكة.
وبعد هذه المسيرة الطويلة يجب أن يكون احتفالنا بعيد الثورة اليوم فرصة لإجراء مراجعات شاملة وصادقة للإيجابيات والسلبيات في إطار عملية تقييم موضوعية للتجربة حتي نتعلم من أخطائنا فنتجنب تكرار هذه الأخطاء كما يحدث في أوروبا والدول المتقدمة.
وقد نشر الجمعة الماضية كاتب "المصري اليوم" المعروف باسم نيوتن أن عبدالناصر كان أول من أجري هذه المراجعات بشجاعة وأمانة لامثيل لها . وهي مثبتة في محاضر اجتماعاته في الاتحاد الاشتراكي التي بدأها في 2 أغسطس 1967 أي بعد مرور أقل من شهرين علي النكسة وهذه المحاضر مسجلة بصوته وموجودة الآن في حوزة مكتبة الاسكندرية.
في هذه المحاضر تحدث عبدالناصر بصراحة مطلقة عن نظامه الذي رآه يتفسخ وعن ضرورة التغيير وتحدث عن أصدقائه ورفاقه في مجلس قيادة الثورة وعن الديمقراطية وقيمة المعارضة وأهميتها كما تحدث عن البيروقراطية التي تمكنت من الدولة بعد الحراسات والتأميم وظهور القطاع العام وذكر الأخطاء والخطايا التي وقع فيها النظام وبشجاعة أقر بأنه المسئول الأول عنها.
وإذا كان عبدالناصر قد بدأ المراجعات علي هذا النحو فإننا مطالبون باستكمال الطريق بنفس الأمان والشجاعة ومصارحة النفس حتي لانصل إلي النهاية التعيسة التي وصل إليها عبدالناصر والأزمات التي مازالت مصر تسدد فواتيرها إلي اليوم.
فليكن عيد الثورة مناسبة للمحاسبة والتقييم الموضوعي وليكن فرصة لنقرأ ونستمع ونعرف ماذا قال عبدالناصر في مراجعاته من خلال نشر محاضر اجتماعات الاتحاد الاشتراكي ذلك أفضل من أن نحول المناسبة إلي مولد شعبي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف