صالح ابراهيم
أهلاً بالأسطوات.. لا لعمالة الأطفال
قد يبدو هذان الخبران منفصلين.. لكن تجمعهما مظلة الطفولة.. الرعاية.. والعناية والأمل لقاعدة المستقبل.. فالشجرة القوية تعرف بصلابة جذورها قبل سلامة وتنوع ثمارها ولأن الطفولة مسئولية الوالدين والمدرسة والمجتمع والدولة.. ينبغي ألا تضيع بينهم.. بحجة الاستئثار أو التربية المعينة.. أو تحديد طرق لا يؤخذ فيها غالباً رأي الصغير.. اكتفاء بالتمني.. ماذا تريد يا بني.. ولكن في الحقيقة الأسرة هي التي تختار له مشوار الدراسة والمستقبل.. لتحقيق آمال بعينها.. وهنا للأسف يسقط منا أهم عوامل النجاح.. وهي الرغبة الذاتية.. والقدرة والموهبة علي السير في هذا الطريق.. ورغم أننا قطعنا أشواطاً مهمة.. في تسجيل حقوق الأطفال بالتشريعات والقرارات الوزارية.. وربما المؤسسات التعليمية والاجتماعية.. ووافقنا علي اتفاقيات دولية تحمي الطفل من التمييز والعنف وعدم تكافؤ الفرص.. إلا أن بؤر الخطر.. تغلي أو تموج لافرق بمظاهر سلبية عديدة بدءاً بأطفال الشوارع ولا تنتهي بالهجرة غير الشرعية التي تحمل من الخطر ما يفوق حوادث الطرق ونزيف الأسفلت المرتفعة معدلاتها حديثاً.
ولنحاول في هذه المساحة ان نجمع أمرين حقيقيين.. ندق بهما ناقوس الخطر.. الأول كشفته الشرطة مشكورة في القاهرة الجديدة بضبط عصابة لتشغيل الأطفال الصغار في منطقة القاهرة الجديدة من الباطن.. أطفال يحضرون من إحدي قري الشرقية علي عربة نصف نقل لصالح متعهد من الباطن.. يعملون أكثر من 12 ساعة يومياً ضد القانون.. تبين ان بعضهم أبناء المقاول نفسه.. يحضرهم معه في الصباح الباكر.. دون ان يوفر لهم أي درجة من العناية.. وبالطبع فإن الدخل القليل الذي يحصلون عليه.. يعود لآبائهم ولا يذهبون إلي المدارس.. ولا يكملون تعليمهم.. إنها جريمة متكاملة.. كشفتها الشرطة ولكن من سيحمي الصغار من الحر الشديد أو البرد القارص؟.
بالطبع هذه اللوحة تنقلنا إلي عمالة الأطفال في الحقول.. وإن كانت مبررة خلال الإجازات إلا أنها في الأيام العادية.. تعد مشكلة مجتمعية رئيسية من حيث إنها تتعارض في الصميم مع تنظيم الأسرة.. ويعتقد الكثير من الفلاحين أن كثيرة الأطفال عزوة وأيدي عاملة جاهزة ومستعدة.. رغم أنه يعلم من خبرته كفلاح أن الزرع يجب أن يخف ويقتلع بعضاً منه.. حتي يعطي الفرصة لباقي الغرسات للنمو الصحيح والمحصول الوفير ناهيك أن المشكلة تضاعفت مع دخول مهن أخري إلي الريف.. مثل قيادة التوك توك. وسيارات نصف النقل.. وعمل الصبية في المطاعم والمقاهي.. مما يعني زيادة في التسرب من التعليم.. الاكتفاء بالكسب القريب.. من العمالة صغيرة السن.. وان كنا نري أحياناً العكس.. بتصميم الآباء في هذه المهن علي حسن رعاية أطفالهم واصرارهم علي استكمال مشوار التعليم معهم.. يكتمل الضلع الثالث للحديث في عمالة الأطفال.. مشكلة الصبي بلية في الأحياء الشعبية بالمدينة.. حيث يتجمع لدي الأسطي أن الطفل المحتاج.. أو الرافض لدراسته.. أو الغاوي صنعة.. للتدريب في ورشة الأسطي تحت أصعب وأسوأ الظروف.. خاصة ما يتعلق بالمعاملة الإنسانية.. بالإضافة لالتقاط الصغير لكل جوانب شخصية الأسطي الاجتماعية.. يحاول السير علي خطاه وتقليده.. ونظراً لتشعب المشكلة.. وزيادة الوافدين علي تخصص الأسطوات المهني.. وما يحصلون عليه من دخل كبير.. أعتقد أنه لابد من حلقة وصل بين مراكز التدريب والتأهيل المهني وهذه الورش التي أصبحت يجمعها الآن مناطق صناعية.. لتولي التدريب العملي لهؤلاء الصغار مع الاهتمام بتخصيص مكان مستقر لتعليمهم ما يلزم من مواد أساسية ولعل هذا التأهيل يفيد في المستقبل.. فما نرجوه من تحول الهجرة غير الشرعية.. إلي عمالة وافدة بشروط عادلة.. تساهم في تنمية الدخل القومي.
والشطر الثاني من المقال.. يتعلق بيقظة حكومية "التضامن الاجتماعي والتربية والتعليم" نرجو أن تقوي وتزدهر ونعني بها الحملة القومية لمعالجة التسرب في التعليم.. بإنشاء 5082 مدرسة مجتمعية.. تستقبل 104 آلاف و939 طفلاً متسرباً لمحاولة وضعهم علي المسار السليم.. مدارس الفرصة الثانية.. وما يتبعها من تجارب مماثلة مثل مدرسة الحقل "النموذج الناجح في الفيوم" فغالبية هؤلاء المتسربين قادمون من أسر فقيرة.. لم تستطع أن توفر لهم احتياجات الاستمرار في التعليم.. أو تفضل استثمارهم كأيد عاملة في الحقول "إبان موسم الحصاد غالباً" وربما ضمن رصيد الهجرة الداخلية إلي المحافظات الجاذبة "مثل العمل في مهن الحراسة.. أو البواب بالعمارات الحديثة".. وإذا كانت وزارتا التعليم والتضامن الاجتماعي قد اتفقا علي ضوابط الحضور والانصراف لهؤلاء مع الاستعانة بمدرسين مجتمعين في فيلم الحلقة الوسطي "بين الصغار وأمية الكبار" فإن للمشكلة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.. التي تندرج في العلاج الأساسي.. ضمن مواجهة الدولة للعشوائيات أو رفع مستوي الحياة في القري الأكثر فقراً.. أو الأكثر احتياجاً.. لا فرق.. نحن لسنا ضد تأهيل الصغار ومن يحتاج أو يريد للمسار المهني.. فلدينا رصيد من الأسطوات الذين بنوا الحضارة.. واستعانت بهم العديد من الدول.. في العصور الماضية كما أن هذا المهني المدرب.. يشكل إمداداً للطبقة الوسطي.. لا غني عنه.. المهم أن يصل في الوقت الصحيح.. والعنوان الصحيح.. الأهم أن نقضي علي الاستغلال تحت لافتة عمالة الأطفال.