في أي موقع وفي كل مجال.. من حق الأجيال الشابة الجديدة أن تحيا.. وأن تتنفس حلما وعطاء. وإبداعا.. دون أن "يكبس" القدماء علي أنفاسهم يعرقلون مسيرة تقدمهم وانتعاشهم.
ولاشك ان مصر الآن تتغير بعد ثورات عديدة متلاحقة عكست تدفقات شبابية حادة استوعبت تغيرات العصر بعدما تفتحت وتمرست علي تطور آليات ووسائط تكنولوجية هائلة.. ولا يصح ولايتناسب أن يبقي في الأروقة "عواجيز فرح" ينتمون بأفكارهم وثوابتهم إلي عصور بالية يتشبثون بتلابيب الماضي يريدون أن يفرضوا أفكارهم وتجاربهم من عصر البخار علي عصر الطاقة المتجددة.
وأتصور أنه ينبغي أن تكون في قناعاتنا ونحن نتعامل مع الشباب تجارب دول أوروبا المتقدمة عندما خرجت من حروبها العالمية بخلاصة كونية مفادها أن الشباب هم عصب الأمم وأداة تقدمها بإطلاق سراح الفكر والعلم والتنوير والتحديث.. فكان طبيعيا أن نري نتاج هذا النهج في التقدم الذي حدث ونري رموزه الشباب علي قمة السلطة في شتي المواقع حكاما وساسة يقودون حركة التقدم ويجبرون الدول الأخري وريثة الأنظمة العتيدة يفتحون أذرعهم للشباب ليلحقوا بركب التطور والارتقاء.
***
ولا ننكر أننا في مصر تأخرنا كثيرا عن خوض غمار نهر حياتنا العامة الذي يجدد ماءه ويجدد دماء مجتمعه فيبعث الحيوية والنضارة في كل مواقع العمل والمهن.
صحيح كانت ثورة يوليو 1952 التي نحتفل بذكراها الخامسة والستين هذه الأيام كانت ثورة شابة عفية لم تتجاوز أعمار رموزها وقادتها الأربعينات وهو ما انعكس في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في متغيرات كثيرة اقتصادية واجتماعية في الدخل وسياسية وتحررية من رجعية الاستعمار في محيطها العربي والإفريقي بل وامتد إلي بعض دول آسيا وأمريكا اللاتينية.. ورأينا شبابا كثير يتعلم ويقتحم معترك الحياة متسلحا بالعلم والأمل في مشروع قومي كبير شيدت فيه مئات المصانع التي اجتذبت فئات كثيرة في المجتمع انخرطت في مواقع العمل والإنتاج وحققت طفرة غيرت التقاليد المجتمعية البالية وفتحت الباب أمام المرأة لتشارك في بناء المجتمع جنبا إلي جنب الرجل.
وغرف الشباب أيضا العمل السياسي الوطني ورأينا منظمة مثل منظمة الشباب المنبثقة عن الاتحاد الاشتراكي السابق تخرج الكوادر السياسية الواعية التي برز منها نجوم مازال بعضها يعطي حتي الآن في المحافل السياسية والثقافية المصرية والعالمية.
ولكن - للأسف - فإن تربص القوي الخارجية الدائم بنهضة مصر لم يتوقف منذ زمن محمد علي مرورا بعبدالناصر وحتي وقتنا الحالي الذي تتعاظم فيه المؤامرات والتحديات مثلما يحدث في كل مرة يلحظون فيها نهضة تنموية وحضارية تلوح في الأفق.
فكان من تداعيات نكسة 1967 التراجع في إعطاء الفرصة كاملة للشباب.. وسرعان "ما شابت" وشاخت رموز وقيادات من تنظيمات سياسية وغير سياسية في كل المواقع والوزارات والمؤسسات والجامعات وحتي قمة السلطة حتي كاد رئيس مصر يرشح نفسه لفترة رئاسية سادسة وهو في عامه الثالث والثمانين لولا ثورة يناير التي فجرها الشباب وساندها الشعب والجيش لتبدأ مصر عهدا جديدا يطفو فيه الشباب علي سطح الأحداث وعبر المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ورغم تلك الفترة المظلمة التي حاولت فيها التيارات الأصولية ومشايخ السلطة أن يعيدوا الشباب إلي مربع الصفر.. إلا أن ثورة يونيه التصحيحية أعادت الشباب مرة أخري إلي بؤرة الأحداث رغم كل المحاولات المفضوحة التي يحاول بها البعض استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها مصر لضرب الوطن من جديد وفي مقدمته شبابه الذي سيكون المتضرر الأول - لا قدر الله - إذا ما حاولوا تنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم ضد مصر.
***
وكان من حسن حظ جيلنا الذي عاصر مشاهد التكلس والشيخوخة في السلطة وفي كافة المواقع.. أن نلمح الآن بوادر انطلاقة جديدة للشباب وهو يدفع به إلي مقدمة الصفوف في كثير من مواقع العمل والإنتاج سواء في الوزارات أو المؤسسات والبنوك والشركات وأجهزة الحكم المحلي حيث شهدنا شبابا يجري دفعهم إلي الواقع بعد تدريبهم وتأهيلهم لتولي هذه المناصب كمساعدين للوزراء والمحافظين أو كمسئولين في كثير من القطاعات الحكومية والخدمية.
كما كانت المؤتمرات الشبابية المتلاحقة التي عقدت خلال الفترة الأخيرة وأخذت طابعا دوريا تعرض من خلالها كل الآراء بحرية وتناقش الأفكار والرؤي والمشكلات أمام رئيس الجمهورية الضامن الأول لتوفير الحماية لكل شاب يعرض لقضية أو مشكلة بصراحة ووضوح دون محاذير من مسئول هنا أو هناك تجنب خروجه عن سياق أو بروتوكول كثيرا ما يشجع عليه الرئيس طالما يلمح في التحدث صدقا وموضوعية ودراسة للموضوع الذي يتناوله.
باختصار.. ان شباب مصر يتقدم.. ولكن تبقي إرادة المجتمع في دعم هذه الرؤية الشبابية التي تتمتع بها قمة السلطة لكي تترجم علي أرض الواقع في كافة المواقع من المسئولين باتاحة الفرصة للشباب لإبراز أفكارهم وتشجيعهم علي المشاركة بفاعلية دون محاذير أو عقد نفسية أو بيروقراطية حكومية بليدة اعتادت أن تكبل كل رغبة جادة وصادقة في التطوير والتحديث.. ولابد أن يعلم الجميع أن عجلة الشباب قد دارت ولن يستطيع كائن من كان أن يوقف دورانها.