الوفد
عزة أحمد هيكل
مواطن وشيخ وكشك
الدستور الذى خرج ملايين المصريين للاستفتاء عليه 2014 وتمت الموافقة عليه بإجماع الآراء والتوجهات التى ترغب فى إرساء دولة جديدة حديثة فى مصر.. دولة تقوم على المواطنة وعدم التمييز بين المصريين على أى أساس دينى أو عرقى أو حتى نوعى، فالمصريون جميعًا سواء يتمتعون بالحقوق وعليهم الواجبات تجاه هذا الوطن العظيم الذى يستحق منا جميعًا أن نحميه ونقويه وندعمه ونقف صفًا واحدًا أمام هجمات الفرقة الداخلية والإرهاب الخارجى الذى يضرب أوصال مجتمعنا.. الدستور نص فى مادته رقم (9) ينص على أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تميز.. وهو تكملة أو استكمال للمادة (4) التى تنص على أن السيادة للشعب وحدة يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين المواطنين.. هذا هو دستور مصر الذى لا يفرق بين المصريين على أى أساس عرقى أو دينى بين المصريين على أى أساس عرقى أو دينى أو مذهبى حتى تتحقق الوحدة الوطنية بين الجميع..
ومع هذا نجد أن حكومة شريف إسماعيل والسيد وزير الأوقاف قد ضربت الدستور فى مقتل تحت مرأى ومسمع جميع الهيئات والجهات الأمنية والثقافية وحتى مجلس النواب لم نسمع منه ما يمنع أو يعترض على هذا التصرف الذى دعا وزارة الأوقاف أن تطرح تجربة الكشك الدينى الذى يمنح فتاوى دينية فى محطات المترو تحت الأرض وفى ظلام العقل والفكر والمناخ.. كشك فتاوى دينية للمسلمين يقبع فى جوف الأرض لهؤلاء المتعطشين للتعصب والفرقة والاختلاف.
أولًا: كشك فتوى ضد مبدأ المواطنة والمساواة والوحدة الوطنية لأن هذا الكشك يستدعى أن يطالب البابا المحترم تواضروس بأن تتم إقامة أكشاك مقابلة للقساوسة لإعطاء فتاوى عن الدين المسيحى بكل طوائفه حتى تتحقق المساواة دون تمييز بين مسلم ومسيحى.. ومن هنا فإن كشك الفتوى لن يكون مقتصرًا على السنة والأزهر والأوقاف فقد يمتد إلى الأرثوذوكس والكاثوليك والبروتستانت والأرمن.. ولا مانع فى يوم ما أن يكون للإخوان والسلفيين وللشيعة بمذاهبهم ومدارسهم.
ثانيًا: الكشك فى محطات المترو التى هى ملك للشعب وليست ملكا لأى حكومة ولا وزارة من المفترض أن يتم استئذان مجلس النواب باعتبارهم نواب الشعب فإذا أقروا أن ملكية أرض المحطات والمترو ممكن أن يتم تخصيصها لأكشاك فتاوى دينية فإن على وزارة الثقافة أن تبدأ فى طرح أكشاك موسيقى داخل محطات المترو حتى يستمتع من يريد أن يطرب، كما يستمتع من يريد أن يضرب ويرهب.. ومن هنا فإن كشك الفتوى ليس من حق أى وزير أو حكومة أن تفرضه على ملك الشعب والمترو الذى يستخدمه ملايين المصريين يبتغون العلم أو العمل وليس لديهم وقت كافٍ ليجلسوا إلى شيخ أو مفتى لا نعلم ما يخفيه وما يبطنه حتى يحرض أو يمنع أو يرهب أو يدمر عقلًا.
ثالثًا: كشك الفتوى هو إهدار للمال العام وللجهد والوقت الذى من أجله تم حفر هذا المترو وتلك الوسيلة الهامة التى تخدم أكثر من 12 مليون مواطن كل يوم ينتشرون فى ربوع القاهرة الكبرى بحثًا عن عمل أو قاعة درس.. فكان من الأجدر بالحكومة تحسين الخدمة فى تلك المحطات بإنشاء مراحيض عامة للنظافة ولقضاء الحاجة وكذلك مراكز إسعاف سريعة للحالات الطارئة التى قد تصاب بالاختناق أو أى ظرف صحى طارئ.. ومن الممكن أن تكون فى محطات المترو شرطة سريعة لحالات النصب أو السرقة أو التحرش المبين والمستمر ضد المرأة.. ولن أذكر أن تكون محطات المترو منبعًا للموسيقى والفن والثقافة وتوجد مكتبة صغيرة فى كل محطة.
لقد تدهورت مصر من كشك الموسيقى فى أوائل القرن الماضى إلى كشك الفتوى تحت الأرض.. وهذا هو حال مصر وصورتها فى الألفية الثالثة.. ألا يوجد من يقف فى وجه هذا الانحدار والتراجع الفكرى والحضارى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف