يقال، والله أعلم، إن الشعوب تخرج فى ثورات لكى تحقق ما حرمت منه: عدالة اجتماعية، تعددية حزبية، تداول السلطة، رفع مستوى المعيشة، الحد من البطالة، صيانة كرامة وحقوق المواطن، وغيرها من المطالب، بعد نجاح الثورة تكتب دساتير جديدة أو يتم الاتفاق على وثيقة لتسيير مرحلة، يحقق الشعب فى الدستور أو الوثيقة بعض أو أغلب ما خرج من أجله.
فى مصر قمنا بثورتين، الأولى فى 25 يناير، وطالبنا بالعدالة الاجتماعية، والتعددية، والتداول السلطة، والكرامة، وحرية التعبير وغيرها، فى الثورة الثانية طالبنا بإزاحة جماعة الإخوان وتمسكنا بالدولة المدنية، وبالتعددية، والعدالة الاجتماعية.. إلخ.
وبعد كل ثورة عهد لبعض النخب (خمسين، ومائة وخمسين: من داخل صندوق النظام) مهمة كتابة دستور للبلاد يحقق طموحات الشعب الغاضب والثائر فى العدالة الاجتماعية، وتداول السلطة، وفى التعددية الحزبية، وفى حرية التعبير، وبالفعل اجتمعت اللجان بعد كل ثورة، واتفقوا على مواد بعينها، وتم الاستفتاء عليها، وأقرها الشعب الغاضب الثائر دون أن يقرأها أو يعرف عنها شيئا سوى ما روجته وسائل الإعلام دون أن يتساءل البعض: هل وفرت مواد دستور الثورة العدالة الاجتماعية، ومواد دستور استعادة الهوية، بعض ما خرجنا من أجله؟، هل ستتحقق التعددية الحزبية؟، هل سيتم تداول السلطة؟.
أغلب النخب يعتقدون أن التداول هو تداول منصب الرئيس فقط، بتحديد مدة أو مدتين، ويعتقدون أو اعتقدوا أن هذا يعد انتصارا عظيما للديمقراطية وللشعب الغاضب الثائر، وتناسوا، عن عمد او بتكليف أو بأوامر، أن التعددية الحقيقية هى تولى الأغلبية، والأغلبية التى نعنيها هنا هى الأغلبية الحزبية، تشكيل الحزب الحاصل على أغلبية برلمانية للحكومة، والعالم اجمع يتفق على هذا التعريف، لكن فى مصر الوضع يختلف تماما، مثل سائر المصطلحات مطاطة وعائمة، والأغلبية لا تقتصر على الأحزاب، بل تشمل الائتلافات أو حزب الرئيس.
وفى لحظات تم تفصيل مواد الدستور لكى تتولى أغلبية الحاكم: جماعة الإخوان أو حب مصر، وبعون الله وفضله تم إزاحة الأحزاب السياسية من المشهد وإعادتها إلى الرف الذى كانت تجلس فيه قبل الثورة الأولى، فى المادة 139 من دستور سنة 2012 الذى وضعته النخب لأجل الجماعة، رخصت لرئيس الجمهورية اختيار رئيس الحكومة من خارج الأغلبية الحزبية: «يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب»، وفى حالة عدم حصولها على موافقة الأغلبية، يختار الرئيس من الحزب الحاصل على أكثرية، وفى حالة الرفض، يختار الرئيس من خارج الأغلبية الحزبية.
المادة 146 من دستور 2014 الذى وضع بعد إزاحة الجماعة، منحت الرئيس نفس الرخصة، اختيار رئيس الحكومة من خارج الأغلبية الحزبية، وفى حالة رفضه يتم اختياره من الحزب أو الائتلاف، وبقدرة قادر أضيف للمادة المصطلح السحرى، وهو الائتلاف، أية ائتلافات؟، وكيف ستدخل البرلمان؟، وهل يمكن لها أن تفوز بالأغلبية.
كل شىء كان مخططا له بالورقة والقلم، بعد اقرار الدستور، عدلت الحكومة قانون الانتخابات، وأدخلت نظام القائمة، ودفع ببعض شخصيات الصندوق الأسود، وفازوا بحمد الله، وتفاوضوا مع البعض الآخر، وتم تشكيل الائتلاف الذى سيرث وظيفة ودور الحزب الوطنى الديمقراطى، حزب الرئيس أو ائتلاف دعم مصر، تحيا مصر، وتسقط الذرة العويجة.