صفوت البياض
الإرهاب.. الأسباب والعلاج
فى تذكرة لما وصلنا إليه فى ختام المقال السابق، حيث رجعنا إلى بعض النصوص فى دساتيرنا السابقة.. وحيث انتهينا إلى ما خلصت به «الدستورية العليا»، وهو هذا المبدأ:
«لكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد، التى يطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه».
أين إذن المشكلة بعد أن كان الطعام حِلًا له؟ لماذا ثار الزبون فى المطعم عندما فوجئ بأن الطاهى مسيحى.
المشكلة فى الخطاب الدينى وتأثيره على البيت.
المشكلة فى مناهج التعليم التى تحض على الكراهية والعنف اللفظى والأدبى ثم يصل إلى إزهاق الروح.
المشكلة فى القوانين التى لا تنصف بل تفرق لا سيما القوانين المرنة التفسير والتأويل، بعكس ما يجب أن يكون فى مواصفات النص القانونية.
أما المشكلة الحقيقية فهى فى الأخلاق وفى الأحكام، التى لا تساوى بين النوعين من البشر عكس الأصول القانونية، التى ينبغى أن تكون عامة ومجردة، وليست تفصيلًا وقبولها للتأويل وبالأبعاد فى النصوص، وحتى التشكيل اللفظى.
ماذا نفعل؟
١- لا نتنكر لإيماننا وتعاليم سيدنا «إن أحببتم الذين يحبونكم فقط فأى فضل لكم أليس الخطاة والعشارون يفعلون هكذا؟
يا سلام على رفقاء زنازين السجون؟ عسل
هناك مقولة: «حيثما تسيطر النزعة الأمنية على السياسية فإن التعسف بل الجماعات الإرهابية نفسها تنمو. إن المتطرفين يتغذون على التعسف، ولا يمكن لأى زعيم ديمقراطى أن يجهل هذه القاعدة».
قاعدة إثارة النعرات وزيادة حوادث قتل الأقليات مرتبط تمامًا بمحاولة تفشيل القيادات وإضعاف السلطات. إنهم يستعملون مبدأ الضرب على الوسادة لإرضاء الأم، التى لا تطيق زوجة الابن، فالوسادة السهلة هم الأقليات - ضحايا من الناحيتين - أغلبية جامحة فى صورة دموية، وآخرون لا يعتدون لكنهم راضون والأنظمة حقًا فى حيرة من أمرهم.
المسيحيون ليسوا وحدهم تحت المطرقة هناك غيرهم من جنسيات أخرى، مثلا: الأكراد والشيعة العرب والسنة والبهائيون وطائفة الإسماعيلية والنقشبنديون.
هذا كله يقابله إعادة تقسيم المنطقة تحت مسمى: الشرق الأوسط الجديد بإعادة تقسيمه.
ما الدور المسيحى، هل نعيش على الدموع أو الجوع أو البحث عن وطن آخر؟ كلها علاجات أشبه بالمسكنات أو مبدأ لا أرى لا أسمع لا أشعر لا أعرف، وحتى فى الكثير من المواقف لا أفهم.
البديل الآخر الأفضل بالطبع هو الصلاة والحب والتسامح وأفراح الرحيل إلى المقر النهائى. نعم الصلاة هى المؤشر الحقيقى، الذى يربطنا ويوحدنا ويخفف من ألم الجراح ونزيف الدماء، وسيل الدموع.
لكن كل هذا لا يمنع أن صوتًا يعلو: «لا يحل لك» فى زمن ضعف فيه الأمن وشاع الشعار «فى قتلكم مرضاة لله».
ماذا نحن فاعلون كلنا نقدر دور السلطات، وكم فقدت من أبنائها، وهم أيضا أبناء كل المصريين، فالجنود لا يصنفون.
تعاليم السيد المسيح واضحة: إن كنتم تحبون الذين يحبونكم، فأى فضل لكم؟ أليس الخطاة والأشرار يفعلون هكذا «كصداقة المساجين معا؟».
قف بجانب قريبك. ومن هو قريبى؟ هل أولاد العمومة أم الأصدقاء أو أبناء ديانتى وعقيدتى وزملاء مهنتى، المسيح يقول إذا فعلت هذا مع أبناء العمومة وزملاء العمل حتى المنحرف، يقول السيد المسيح: إن فعلت هذا لقريبك، فأى فضل لك كان هذا واجبًا عليك تحمى أهلك لكن افعل هذا مع الذين لا يحبونك، وليسوا من العائلة، ولا حتى من ديانتك وعقيدتك، فهذا كله لا فضل لك فيه، إنه واجب، ولكن افعله مع من لا يحبونك، وليسوا من العائلة حتى تكون بحق أرضيت ضميرك الحى الإنسانى، وأرضيت ربك الذى تعبده.
لنا فى السيد المسيح له كل المجد القدوة، وهو يترك الأهل والعشيرة ويذهب إلى السامرة.
من المواقف الرائعة للتعلم:
نحن نعرف رجلًا من رجالات الله اسمه نوح، هذا الرجل الذى أرضى الله حتى إن الله أوصاه أن يبنى فلكًا أشبه بقرية متحركة بذل فى بنائها مدة طويلة، وفى أثناء البناء كان الأشرار يستهزئون به «شوف الراجل اللى مخه طاقق ولا ضارب، معقول هاينزل مطر يغرق الدنيا كلها؟»، أما نوح فلم ييأس من الدعوة، توبوا وارجعوا للرب لكن ولا حياة لمن تنادى. ظلت رسالة نوح طوال فترة بناء هذا الفلك، وعند اكتماله دخلت كل الحيوانات والطيور والزواحف، ولم يبقَ جنس منها إلا ودخل بالأعداد التى أمر الرب بها، وفى منظورى أن دخول هذه الكائنات منها ما يطير، ومنها ما يزحف كلها دخلت والنَّاس لا تتعلم حتى من الكائنات غير المميزة، ودخل نوح وعائلته، وهنا معجزة أخرى أغلق الفلك يعنى ما فيش حد يملك فتحها إلا عند ما تتم خطة الله العقابية.
حدث آخر مع نسل نوح الناجين من الغرق تكاثروا، وملأوا الدنيا فأرادوا أن يصنعوا شيئًا يتميزون به عن باقى الشعوب «نبنى برجًا» ما جدهم الكبير بنى فلكًا، لماذا لا يبنون هم ناطحة سحاب تميزهم عن باقى الدنيا؟
تكتل تمييزى نحن الأفضل نحن من سلالة مختلفة لازم نعمل حاجة تكسر الدنيا نبنى برجًا قبل ما تطلع ناطحات السحاب الأمريكية، ولا برج إيفل قالوا البرج قاعدته فى الأرض وقمته فى السحاب نتجمع فيه ونكيد الأعادى.. المدهش أن الله لم يعجبه فكرة الانعزال والتعالى على باقى خليقته، وبالفعل كادوا يحققون هدفهم، والله لم يقبل فكرة الانعزال البشرى التمييزى، وحتى لا يصلوا إلى غايتهم يقول الكتاب إن الله بلبل ألسنتهم يعنى واحد يتكلم عربى، والتانى عبرى والتالت لاتينى، وهم لا يفهمون بعضهم، وتوقف البرج، لأن الله لا يريد الانعزال، ولا يريد المتكبر كمن قال هذه هى بابل التى بنيتها بقدرتى، ولكن لم تمضِ إلا لحظات، وكان قد سقط ميتًا، ولم يتحقق التعالى، ويقول: «بنيتها بقدرتى وجلالى ومجدى، فمن أنت أيها المتعالى ها هو الدود يأكل جسدك؟».
وهنا المفارقة بين نوح بانى الفلك وبين ذريته، التى حاولت أن تبنى برجًا ربما كانوا يقلدون جدهم الكبير بعد ما كثر عددهم.
قد يسأل سائل، ويقول ما الشر فى بناء برج بمالهم وفنهم، وهم من أصل واحد بعد أن هلك الآخرون فى الطوفان «ما إحنا بتوع ربنا»، الذى أنقذ جدنا الكبير، وإلا كنا مع الغارقين.
لكن لله فى خططه ورفضه للتعالى والكبرياء، وكأنهم آلهة الله يريد من البشر أن ينتشروا ثم يتعارفوا لا يتعالوا على غيرهم، فبلبل الله ألسنة المنفذين للمشروع فلم يعد يفهم بعضهم لغة البعض وتوقف المشروع تمامًا.
من يحب التفاصيل يرجع إلى سفر التكوين أول الأسفار، الذى يتحدث عن الخليقة والإنسان الأول، أبونا كلنا واسمه آدم الترابى، أى المصنوع من التراب، والسيدة حواء، آدم من الأديم الأرضى، وحواء من ضلوع آدم الحى.
وبين آدم ونوح أحقاب زمنية حتى تكاثرت الأعداد ثم الفناء بالطوفان، وبعد أزمنة طويلة عادت الذرية الناجية إلى التكاثر والتفاخر والرغبة فى الاستعلاء لنبنى برجًا رأسه فى السماء.
والسؤال الذى يطرح نفسه هل من أمل فى السلام والاستقرار؟
بالطبع نعم إذا خلصت نوايانا واتحدت الشعوب والحكومات، وتوقفت عن التخريب والتدمير ومحاولة بناء جدار عازل بين الأغنياء من الدول والفقراء، الذين يلهثون وراء لقمة عيش وسترة من قماش أو ورق الشجر.
والسؤال وكيف وكم من الأموال تنفق، أقول نعم إذا توقفت الحروب والمؤامرات وتجمعت الشعوب لبناء جسور السلام فلن يكون فى أى بقعة من هذه الأرض فقير مريض جاهل، وآخرون يفضل عنهم ويتبقى ما يشبع شعوب أخرى. إن الموازنات التى تنفق على الأسلحة برًا وبحرًا وجوًا تكفى لتشبع كل المعمورة فلا يبقى فيها جائع أو عريان أو مريض، فالخبز الفائض فى دول كثيرة يشبع جموع المعمورة كلها، وكذلك الطب والدواء، فهل من أمل يا قادة العالم؟ ومتى تضعون أياديكم معًا فى تآلف وحب وعطاء، فما عندكم ما هو إلا عطاء من رب كريم ورحيم، ولا فضل لأحد فيه. وعلى الجانب الآخر الحديث إلى المستمتعين بسفك الدماء أو قطع الرقاب وإلقاء الجثث فى المحيطات حتى اشتكت المياه من تلوثها. وكادت الأمواج تصرخ رحمة بمياه هى فيض من الله لإشباع الأرض ونقل البشر والثمر وحتى الحجر، وهكذا تشوهون الجمال، وتعوقون الأعمال، وتفقرون عباده، وتزهقون أرواحًا هى خليقة الخالق، وليس لبشر عليها من سلطان. يا شعوب الأرض أوقفوا المجازر، وكفى من أسواق الموت، حيث تُباع أسلحة الدمار بكل أشكالها، وليتكم تستخدمون المال والعلم فيما يسعد البشرية ويخفف من معاناة الحياة،.