جلال حمام
عار الأقصى يطارد الأدعياء
«الميدان يا حميدان».. مثل ردده العرب، عن كل من ادعى الفروسية وهو ليس بفارس، أو تقمص النبل وهو وضيع.. وظل يتردد بين الأمم، حتى جاء موعده الآن، نردده نحن من جديد، أمام كل من قال بنصرة القدس وهو كذوب.. وكأنما أراد الله أن يفضح المدعين، الذين قالوا «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، وقلوبهم غُلف.. فالأقصى ينادى الآن، وهم كما كانوا فى كل وقت وحين، يديرون له ظهورهم.
وهذا ديدنهم الذى طالما قلنا به وفضحته تصرفاتهم، وظلوا فى غيهم سائرين، ثم برهنت الأيام على أنهم طلاب الدنيا وليسوا من أهل الدين، بعدما ملأوا الدنيا صياحًا وهياجًا بدعاوى الجهاد والفداء، فإذا بهم يديرون ظهورهم لكل ما ادعوه، ولم يستقبلوا إلا أوطانهم، عنفًا وإرهابًا وسفكًا للدماء، وكأن الطريق إلى القدس لا يمر إلا عبر العواصم العربية، التى نجحت مؤامرات الغرب، مع ضلوع هؤلاء فى الخيانة، فى أن يتحول بعض هذه العواصم إلى خرائب يباب، تسكنها البوم والغربان، بعد أن كانت حاضرات للثقافة والعلوم، تستشرف مستقبلها اتكاءً على أبنائها، فإذا هؤلاء الأبناء، بين مُضل يريد عرضًا من الدنيا، وضال أغرته دعاوى الكذب بالجنة الموعودة وما فيها من الحور العين، وكل ما يمكن أن يهون فى سبيل الفوز بالآخرة، لا يعلم حقيقتها إلا الله، ونعلمها نحن بما جاء فى القرآن والحديث النبوى عن خوارج آخر الزمان، فكان هؤلاء صرعى أكاذيب سياسية، مارسها عليهم قياداتهم، أذناب الغرب الذين أرادوا بأهل أوطانهم كل سوء، ولم تجد دول المؤامرة أفضل من سواعدهم، يهدمون بها ما بناه الأجداد والآباء عبر السنين الطوال.. وبين أبناء ضاعت أوطانهم فتشردوا أو فقدوا حياتهم، فارتفعوا إلى السماء شهداء، لأنهم آمنوا بأن كرامتهم فى الحفاظ على تراب وطنهم، وأنه لا فائدة من حياتهم إذا ذهب هذا التراب وداسه الأغراب والأنجاس، فهبوا مدافعين، حتى لقوا الله وصدق فيهم قوله الحق، بأنهم فى مقاعد صدق، عند مليك مقتدر.
الأقصى ينادى، فلا نجد إلا بنادق وجهت فوهاتها إلى صدور أبناء الأمة العربية، حملها من أسقط عنهم الأقصى أقنعتهم، وأبان كذبهم وإفكهم، فكل أرباب التنظيمات التى حملت صفة «الإسلامى»، تجار دين، لا يعرفون معنى للوطن، ولا يجدون فيه إلا «حفنة تراب عفنة»، شعاراتهم بالدفاع عن فلسطين، وأسماء جماعاتهم زائفة، ليس لها من هذه الأسماء نصيب.. فاليوم يوم البرهان، وقد انقلب السحر على الساحر وانكشفت عوراته، ساعة وقع العشرات من أبناء الوطن الفلسطينى المحتل جرحى بهراوات المحتل الغاصب، المعتدى على مسجد قال فيه رب العزة والجلال ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الآية ١ ـ سورة الإسراء).
على هؤلاء المخادعين أن يتواروا خجلًا، لمشهد الطفل الفلسطينى الأعزل، يعتقله خمسة من جنود الاحتلال، وكأنما هو مارد يخشون بطشه وانتقامه إن هو انطلق من عقاله، وكأنما أنزل الله هيبته فى قلوبهم، فزادهم وجلًا ورعبًا.. بل إن حمرة الخجل لا بد أن تكسو وجوههم، وأن يرتدوا براقع، كالنساء، تخفى عيون مذلتهم وهوانهم، وهم يرون الشاب الفلسطينى المسيحى، نضال عبود، الذى وقف بين المرابطين، وهم يصلون فى المسجد الأقصى، وهو يحمل إنجيله فى يمينه، بقلب خاشع، ولسان يلهج بالدعاء لله، أن ينصر أبناء البلد المحتل، من عصبة لم تخش من يردعها، بعدما أفلحت فى إطلاق شياطينها، من التنظيمات الإرهابية على الدول العربية، تفرق شملها وتمزق أوصالها، وتحيل بعضها أثرًا بعد عين، متلفحين بشعارات، هى براء منهم ومن أفعالهم، التى عادت بالوبال على أمة الإسلام.. «إسرائيل تلعب بالنار»، وتغامر بإشعال فتنة كبرى مع العالمين العربى والإسلامى، وتعمل على استدعاء البعد الدينى فى الصراع مع الفلسطينيين، وهو أمر ستكون له تداعياته الخطيرة فى المستقبل.. ترى، هل صدق أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية، فيما ذهب إليه، تعقيبًا على ما يحدث للأقصى ويتعرض له إخواننا هناك؟
لا أظن.. فالبيت الفلسطينى منقسم من الداخل، وحماس ما فتئت تتآمر على جارتها وصاحبة النعم عليها، مشغولة بنفسها وبأمر تميم خائن قطر، والدوحة دائمًا ذنب بنى إسرائيل، وأردوغان تركيا، صديق تل أبيب المخلص.. وهؤلاء جميعًا هم من يدعمون التنظيمات الإرهابية فى عالمنا العربى، نيلًا منه، وصبًا فى كفة إسرائيل.. فمَنْ ننتظر؟
إنها مصر.. ومَنْ لفلسطين سوى مصر منذ غابر السنين، يستشهد أبناؤها على الثرى الفلسطينى، ونقول هذا وطن فى أمتنا العربية.. تخوض مباحثات من أجل السلام لشعبها وحمايته من الفناء والاندثار، وهذه شيمة مصر منذ القدم.. تُصلح بين المتخاصمين من أبناء الأرض المحتلة، ونقول قدر الكبار.. وها هى تخوض مباحثات الأمم المتحدة من أجل ذات الأمر.. فهل يحفظ الصغار قدر الكبيرة ويردون لها الجميل ردًا جميلًا؟.. أشك.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.