الجمهورية
على هاشم
معا للمستقبل .. الرئيس أنصف "نجيب".. فرصة لتصحيح التاريخ !
* عندما أشاهد حفلات تخريج الكليات العسكرية والشرطة تنتابني حالة طمأنينة وتفاؤل وإيمان بأن مصر في رباط إلي يوم القيامة بما أوتيت من خير أجناد الأرض الذين يتدفق مددهم في كل عام في شرايين الوطن. تقوم علي إعدادهم مؤسسة منضبطة هي مصنع للرجال والوطنية والشرف والفداء والولاء وهي عين باتت تحرس في سبيل الله. تقدم الشهداء عن طيب خاطر إيمانًا منها بأن حب الوطن عقيدة والموت في سبيله أسمي الغايات .. وأن الدفاع عن حدوده والمرابطة عليها ليلاً ونهارًا أشرف المهمات ولعل ما شهدناه بالأمس في احتفال الكليات العسكرية بخريجيها والذي شهده الرئيس السيسي وضيوفه العرب بقدر ما أدهشنا وأسعدنا بقدر ما أثار سؤالاً أظنه يتكرر مع كل حفل تخرج بمثل هذه الحيوية والانضباط والإتقان والجاهزية .. لماذا تفتقد مثل هذا الإبداع في شبابنا وخريجينا في الكليات الأخري لماذا لا يكونون بهذه الكفاءة التي يظهر عليها أبناء الكليات العسكرية والشرطية رغم أنهم أبناء شعب واحد. ينتمون لدولة واحدة» لكن للأسف لا تضمهم منظومة تعليمية أو تربوية واحدة . فشتان الفارق بين منظومة تنمي الجسم والعقل وبين أخري خاصمت الخيال وقتلت الإبداع بين منظومة تربي الحس الوطني والانتماء في أبهي صوره . وبين أخري صار الغش أحد أسباب تخلفها .والحفظ والتلقين ديدنها وغايتها ..بين منظومة تغرس الولاء والفداء في نفوس أبنائها ومَنْظومة تزرع الكسل العقلي والخمول والسطحية وعدم التكيف مع الواقع والاستجابة لمتطلبات الحياة في عقول خريجيها والسؤال: أليس ذلك واجبًا حتي لا تظل الأعباء كلها ملقاة علي عاتق الأولي . بينما الأخيرة عبء بل أحد معوقات التقدم والتطور؟
ثمة رسائل عديدة حواها خطاب الرئيس في الاحتفال بالذكري الـ 65 لثورة يوليو.. رسائل للخارج وللداخل أيضًا فقد أعاد السيسي الاعتبار لأول رئيس مصري وهو اللواء محمد نجيب الذي تعرض لظلم وجحود ولم ينل حقه الواجب كأعلي رتبة عسكرية منحت حركة الضباط الأحرار غطاء ومصداقية ما كان لثورة يوليو أن تنجح بدونهما سواء بين ضباط الجيش وجنوده أو بين الشعب المصري الذي بادر بالتأييد وإسباغ المشروعية علي الثورة. أو خارج مصر . ناهيك عن دور الرجل في إشعال لهيب الثورة التي انكوي بنارها .. أما رسالة الرئيس للخارج وخصوصًا تنظيمات الإرهاب ورعاته في الدول المارقة فمؤداها أن مصر شعبًا وحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يحاك ضدها وما يرتكب في حقها من جرائم إرهابية تحصد رقاب فلذات الأكباد . وأنه لا تهاون مع ممولي الإرهاب وداعميه ثم جاءت الرسالة الأهم للشعب المصري البطل الحقيقي للمشهد الذي صبر وتحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي رغم صعوبتها الأمر الذي جعل الرئيس يقول : أنا فخور بالشعب الذي رفع كرامتي في الخارج بتحمله تلك الأعباء الصعبة في جلد .."
أما إنصاف الرئيس السيسي للواء محمد نجيب أول رئيس لمصر فأظنه درس للمؤرخين وكتاب التاريخ بضرورة إعادة كتابة هذا التاريخ علي أسس موضوعية لا تتلون بألوان السياسة فترضي عمن يرضي عنه الحكام. وتبغض من يبغضونه. فالتاريخ الحقيقي هو تاريخ الشعوب وليس فقط تاريخ حكامهم وإنجازاتهم أو إخفاقاتهم ومن ثم فليس عدلاً أن ننسب كل المزايا لمن هم في السلطة حتي إذا غادروها. أهلنا عليهم التراب وسلقناهم بألسنة حداد .. صحيح أن للزعماء دورًا طليعًا لا غني عنه. فإن الله يزغ بالسلطان مالا يزغ بالقرآن لكن هذا الدور لا يمكنه أن يحقق وحده شيئًا ما لم يدعمه الشعب ويسهر علي تحقيقه وما كان لثورة أن تنجح ما لم يتجاوب معها المواطنون .. وفي التاريخ شواهد كثيرة علي ذلك . فقوة سعد زغلول استمدها من الناس وقال : إذا هب الشعب واقفًا علي قدميه أحسُ أنني أقوي ألف مرة مما أنا فيه وإذا تخاذل الشعب وضعف وتهاون أحس أنني أضعف ألف مرة مما أنا فيه.
ثورة يوليو العظيمة نهضت بها زمرة من الضباط الأحرار وما كان لها أن تنحج لولا مساند الشعب وثورة 25 قام بها الشعب ولم تكن لتحقق شيئًا لولا تأييد الجيش لها ثم اختطفها الإخوان بمعاونة ضعاف النفوس ممن يطلق عليهم نشطاء وقوي مدنية تشابكت مصالحها مع " الجماعة " حتي كادت بلادنا تنزلق لحافة الهاوية لولا ثورة 30 يونيو التي فجرها الشعب وساندها الجيش لتخليص البلاد من حكم فاشي وإنقاذها من حرب أهلية كادت تأكل الأخضر واليابس .
وفي ظني أن ثورات الشعوب في مصر وغيرها في حاجة لدراسة موضوعية جادة تقدم صورة حقيقية لما جري وتستخلص منه الدروس والعبر الواجبة. وتعيد الاعتبار للأدوار والأوزان الحقيقية لكل من أسهم في إشعالها وإنجاحها فالشعوب صانعة الأبطال وليس العكس .
لقد أنصف الرئيس السيسي أحد أهم صانعي ثورة يوليو اللواء محمد نجيب بإطلاق اسمه علي أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة تكريمًا وتخليدًا لدوره المهم في إنجاح تلك الثورة ولا نجاوز الحقيقة إذا قلنا إنه الأب الروحي للثورة والحاضنة التي وفرت لها أسباب القبول الشعبي والنجاح وهو ما لا يعرفه كثير من أجيالنا الجديدة . ويحضرني في هذا السياق أن جاءني الزميل الصحفي محمد ثروت - وكنت يومها رئيسًا لتحرير كتاب الجمهورية- بمشروع كتاب مدعم بالوثائق يكشف حقيقة غائبة في حياة اللواء محمد نجيب ذلك الشخص الفذ المثير للجدل.. وقد قال لي ثروت إن الفكرة راودته بقوة عام 2000 عندما جري إغفال اسم اللواء نجيب في الاحتفال بذكري ثورة يوليو . ولم تأت وسائل الإعلام وقتها علي اسمه من قريب ولا من بعيد وكأنه لم يكن علي رأس تلك الثورة فقرر ثروت إعادة الاعتبار إليه وإضاءة منطقة تاريخية جري حجب الضوء عنها . لوضع نجيب في مكانه المستحق بين الخالدين . وإخراجه من زوايا التجاهل والنسيان والجحود والإهمال. واختار لكتابه المهم عنوان "الأوراق السرية لمحمد نجيب" وها هو الرئيس السيسي يعيد الاعتبار بقوة لهذه الشخصية التاريخية المهمة.
ولم تكن محاولة ثروت هي الوحيدة في مجال رد الاعتبار لأول رئيس وطني لمصر. بل ثمة محاولات لا تقل قوة وإنصافًا أذكر منها ما قاله المؤرخ العسكري الكبير اللواء جمال حماد أحد الضباط الأحرار . ومن بين ما قاله حماد عن نجيب : إنه فاق كل الرجال وكل الأبطال لكنه للأسف لم يُظلم ولم تُسلب حريته إلا من زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة . وإذا كان جيل محمد نجيب لم ينصفه فأنا - والكلام للواء حماد ـ كنت أقول دائمًا لمن يشكو هذا : صبراً فإن الأجيال القادمة سوف تنصفه وتضعه في المكانة اللائقة . وكذلك أقول لمن يدعي أن نجيب كان خيال مآتة لإنجاح الثورة كيف ذلك وكنا كلنا ضباطا صغارًا أكبر رتبة فينا مقدم ولا يتجاوز عددنا 90 ضابطًا بينهم 30 بين رائد ومقدم والبقية بين نقيب وملازم كلهم صغار سن وهناك ناس كتير اتكلفت وهربت . ولو حمل البيان الأول للثورة توقيع رتبة صغيرة ما انضم أحد لها وقتها فلم يكن أحد وقتها يعرف جمال عبد الناصر حتي الضباط الأحرار أنفسهم فالحركة كانت سرية. وتم القبض علي عبد الناصر حتي أنقذه يوسف صديق.
أضاف حماد في شهادته التاريخية عن ثورة يوليو: ما كنا لننجح بدون محمد نجيب فهو ضابط عاقل وكبير انضم لثورة ضباط صغار وقاد الثورة فعلا وأنجحها وإذا كان الرجل لم يستمر ولم يستكمل رسالته فذلك يرجع لشخصيته المفرطة في الطيبة وصفاء نفسه وقد جاءته الفرصة ليدمر أعضاء مجلس قيادة الثورة في أزمة 1954 بعد أن قدم استقالته وخرج الشعب كله في مظاهرات لم يسبق لها مثيل في ميدان سليمان باشا وسط القاهرة لإعادة نجيب إلي السلطة وأجبر مجلس قيادة الثورة علي ذلك وعاد نجيب بالفعل إلي المشهد من جديد بقرار الشعب لا بقرار مجلس قيادة الثورة وكان بإمكان نجيب القضاء علي زملائه الذين مكروا به وأبعدوه عن القيادة لكنه لم يفعل.
أما د.عماد أبوغازي فيذكر أنه كان تلميذا في الابتدائية وأنه قال إن محمد نجيب هو أول رئيس لمصر رغم أن المدرسين كانوا يرتعدون من مثل هذا الكلام الذي يؤدي إلي السجن وأن نجيب لم يكن وحده الذي تعرض لعدوان علي تاريخه بل تعرض مصطفي النحاس وسعد زغلول أيضًا لتشويه تاريخهما بعد ثورة يوليو. وبدون شك فإنه لولا محمد نجيب ما نجحت حركة الضباط الأحرار.
ومن الشهادات المهمة التي أنصفت محمد نجيب ما قاله د.رفعت يونان بأن نجيب زعيم الثورة بلا منازع بشهادة البكباشي جمال عبد الناصر فقد أخذوا هذا الرجل وطافوا به أنحاء مصر كلها ليبثوا أقدام الثورة.
ويقول المفكر الكبير د.مصطفي الفقي إن محمد نجيب بلا جدال صاحب دور أساسي في ثورة 23 يوليو وهذا أمر لا يجب التشكيك فيه إطلاقًا. ولو أجهضت الثورة وعلقت أعواد المشانق لكان محمد نجيب أول من سيدفع الثمن ولا أتفق مع من يقول ان ما جري لمحمد نجيب أمر طبيعي فالثورة لم تكن عادلة معه إذ كان هذا الرجل نموذجًا قريبًا من النحاس باشا وبالتالي كان هناك شعور عام بأنه يكتسح ويكتسب شعبية . وهناك طموحات لعبد الناصر ورفاقه لا تقبل بمثل هذا التحول أو ترضاه لكن لا يمكن أن ننصف محمد نجيب بحملة علي عبد الناصر والسادات علينا أن نتحدث بالوثائق ونترك الحكم للقارئ أما اختفاء محمد نجيب وما جري فقد سمعت من أحد الضباط مباشرة حديثًا عن الاعتداء الجسدي علي نجيب وأنهم حاولوا قتله في 1956
أما الكاتب خالد محمد خالد فقد قال إن وجود محمد نجيب علي رأس حركة الجيش بمثابة الكوبري العظيم الذي عبرت عليه الحركة بكل ثقلها ومخاوفها وأحلامها إلي مستقبلها الآمن الوثيق وإذا كان جمال عبدالناصر قد حوَّل الانقلاب إلي ثورة بما أحدثه من إنجازات كبيرة وتغييرات واضحة وعميقة في المجتمع المصري بل والعربي أيضًا . فقد كان نجيب الممهد الأول للظروف الآمنة التي مكنت الثورة من الاستمرار في طريقها ونستطيع القول إن نجيب كان كلمة السر ولو أنه ظل حيث كان ينبغي أن يظل لما شهدت مصر ما شهدته لا أقول من تجاوزات بل جرائم. ولو أنه بقي حيث كان يجب أن يبقي لعاش الشعب تحت مظلة ديمقراطية راشدة وحرية سابغة. ولو أنه لبث في مكانه وما عهدناه من إيمانه العظيم بالديمقراطية والحرية والشوري ما شهد الشعب ولا الجيش نكبتي 65 و67 لقد دفع الفقيد الكبير ثمن انتصاره للديمقراطية غاليًا من أمنه وحياته.
ما قيل عن محمد نجيب رغم وجاهته لا يقلل أبدًا من دور جمال عبدالناصر ورفاقه في صناعة الثورة التي غيرت وجه الحياة علي أرض مصر وإذا كان الرئيس السيسي قد صحح الصورة الذهنية المغلوطة عن أحد أهم رؤساء مصر فإن الموضوعية تقتضي أن يبادر المؤرخون لإكمال وجوه الإنصاف الأخري بتسليط الضوء علي مزيد من جهود الرجل وكفاحه وهو ما نرجو أن تضطلع به مكتبة الإسكندرية ورئيسها المفكر د.مصطفي الفقي بتوثيق أدوار من حكموا مصر حتي تصبح الحقائق كاملة أمام الشعب ليحكم لهم أو عليهم بمنتهي الأمانة والنزاهة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف