على عبد الغنى الفقى
الصناعات الصغيرة.. وبناء الدولة
لا شك أن الفترة الحالية تتطلب منا اليقظة التامة من المتربصين بمصرنا الحبيبة الساعين إلي نشر الطاقة السلبية في المجتمع.. تتطلب منا المرحلة الحالية النظرة المستقبلية لمواجهة التحديات المطروحة.. خاصة التحديات الاقتصادية والتي يجب أن تنطلق بقطار المشروعات الصغيرة والتي يعتبرها العالم أساس النمو الاقتصادي والتصدي للمشاكل المجتمعية الناتجة عن البطالة ووضعها في اطار تكاملي لا تنافسي حتي يمكن لها أن تساهم بفاعلية في زيادة الناتج القومي خاصة في القري حتي تعمل هذه المشروعات إلي تحسين نوعية حياة سكانها من خلال استدامة المشروع الصغير.
ولتكن بداية نشر المشروعات الصغيرة بالقري قائمة علي تحويل ثقافة الأسر الفقيرة من تلقي المساعدات إلي التمكين الاقتصادي المحسوب والمحسوس والمدروس والمتكامل لا المتنافس مع غيره.. الساعية للاستمرارية والتوسعية لدائرة التوظيف والتشغيل لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية.
الصناعات الصغيرة استحوذت علي فكر واهتمام الكثير من الدول التي أصبحت قوي اقتصادية لا يستهان بها.. درست الأسواق الخارجية وصنعت ما تحتاجه هذه الأسواق.. فغزت الدول لا بالأسلحة وإنما بمنتجاتها وخرجت جحافل من أبناء بعض هذه الدول كالصين لتسوق لهذه المنتجات الرخيصة السعر والمقبولة لدي الجماهير.
هناك أيضاً التجربة الايطالية في هذا المجال التي بدأت في مجال الحرف التقليدية واليدوية منذ الخمسينيات والتي تطورت من خلال المناطق الصناعية التي تصل حالياً إلي أكثر من 100 منطقة يعمل بها نحو 500 ألف عامل موزعة علي حوالي 60 ألف مؤسسة صناعية ووحدة انتاجية محلية خاصة أنشطة الملابس والنسيج ودبغ الجلود والأدوات الموسيقية والنسيج وأعمال الزجاج وتم وضع خريطة مفصلة لهذه المشروعات حتي تتكامل الجهود وتتناغم.. لا تتنافس وتتباعد وحتي يكون لها الأثر الإيجابي في الناتج المحلي.
يجب الاهتمام بالصناعات والمشروعات الانتاجية الصغيرة حتي تمتد وتنتشر في مصر من خلال استراتيجية واضحة المعالم ورؤية ثابتة متكاملة لا تتغير بتغير الأفراد وأن تتكامل بعض هذه المشروعات مع الصناعات العملاقة وأن يكون لها شبكة معلوماتية دقيقة وأن تكون كل منطقة صناعية أو كل قرية وحي وشارع متخصص في منتج معين يجود ويحسن ويبدع فيه وأن تقوم علي فكرة التجميع بهدف الاشتراك والتعاون والتكامل لإنتاج سلعة أو منتج محدد.
يجب علي الخبراء في هذه المرحلة الحرجة اقتصاديا وضع فكر لتنمية الصناعات والمشروعات الصغيرة والنهوض بها لخلق نسيج تكاملي تجميعي من الشركات والمؤسسات الصغيرة التي يتخصص كل منها بجزء من الانتاج يعتمد عليه تسلسل المرحلة الانتاجية لمنتج كبير حتي نستطيع النهوض بالمجتمع وأفراده وتوفير فرص العمل والاستفادة من طاقة الشباب ولكن وقبل هذا كله يجب خلق مناخ جاذب للاستثمار وبيئة صالحة للاستمرارية بعيداً عن البيروقراطية والتعنت وفرض الإتاوات وتحصيل الغرامات وإصدار القرارات الفجائية التي تحطم أفضل دراسات الجدوي فيكون الحل السريع والناجز لصاحب المشروع هو غلقه وتسريح العمالة لتتحول إلي قنابل موقوتة وأحجار تتحطم عليها كل برامج التنمية الشاملة التي نتغني بها منذ 40 سنة حتي ازددنا فقراً وأغلقنا مصانعنا واستوردنا حتي الفول المدمس.
يجب أن يدرك الجميع الحكومة والشعب أننا نمر بلحظات فارقة ينبغي الانطلاق منها لمستقبل أفضل ورؤية أكثر عمقاً من مجرد الخلافات حول أمور جدلية تفرز الاحساس بالنقص والعجز واليأس والاحباط حتي لا نضل الطريق إلي الغاية التي نريدها وهي الارتقاء بمصرنا الحبيبة إلي مكانها الطبيعي.