الاصلاح كلمة جامعة كل ما هو خير. يقول الحق سبحانه: "ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير" ويقول سبحانه: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم". ويقول سبحانة: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون". ويقول سبحانه: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً". ويقول سبحانه: "والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين". ويقول سبحانه: "وما كان ربك ليهلك القري بظلم وأهلها مصلحون". وذكر القرطبي في تفسير هذه الآية أن الله "عز وجل" لا يهلك القري بالكفر وحده أو الشرك وحده. إنما بما يكون معه من الفساد علي نحو ما أهلك قوم شعيب عندما طففوا الكيل والميزان. وقوم لوط عند إتيانهم الفاحشة. وعاد لعتوهم واستكبارهم. وقد قالوا إن الدول تدوم مع العدل والكفر. ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وأن الله عز وجل ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة. ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة. لأنها لو كانت مسلمة حقاً لما كانت ظالمة لا لغيرها ولا يظلم بعضها بعضاً.
وهذا نبي الله صالح "عليه السلام" يقول لقومه: "فاتقوا الله وأطيعون. ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون". ويقول لهم: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين". فلما عتوا وتجبروا وأسرفوا في الغي كانت العاقبة في قوله تعالي: "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون".
وهذا نبي الله شعيب "عليه السلام" يقول لقومه: "أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاط المستقيم. ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين". ويقول لهم: "وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب". فلما عتوا وتجبروا كان العذاب وسوء العاقبة لهم. حيث يقول الحق سبحانه: "فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم".
ولا يكفي أن يكون الإنسان صالحاً في نفسه ليكون بمنجاة من عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة. ذلك أن النبي "صلي الله عليه وسلم" سئل: "أنهلك وفيها الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". ويقول "صلي الله عليه وسلم": إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب. وفي الحديث: أن الله "عز وجل" أمر ملائكته بإهلاك قوم. فقالوا: إن فيه فلانا. فقال: "ابدأوا به إنه رأي المنكر ولم يتمعر وجهه لأجلي" الأوسط للطبراني. ويقول "صلي الله عليه وسلم": "انصر أخاك ظالماً. أو مظلوماً. فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟. قال: تحجزه. أو تمنعه من الظلم. فإن ذلك نصره.
وفي مقابل الصلاح فإن الله "عز وجل" لا يحب الفساد ولا المفسدين ولا يصلح عملهم. يقول سبحانه: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد". ويقول سبحانه في شأن اليهود: "ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين". ويقول سبحانه في شأن تجبر قارون واستعلائه علي قومه وبغيه عليهم: "وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين". وقال موسي للسحرة عندما ألقوا ما ألقوا: "ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين".
وقد كتب سيدنا عمر بن عبدالعزيز إلي أحد ولاته رسالة من جملة واحدة يقول فيها: "اعمل عمل من يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين". فكانت رسالة جامعة.
فلو أن كل واحد منا عمل فيما ولاه الله عليه من منطلق واعتقاد أن الله "عز وجل" لا يصلح عمل المفسدين. ولا يضيع أجر المصلحين. ولم يكتف أن يكون صالحاً في نفسه. إنما اجتهد أن يكون صالحاً ليكون قدوة. وأن يكون مصلحاً وفاء بحق دينه ووطنه. لتغير حالنا. وتتحقق ما نصبو إليه جميعاً من مرضاة ربنا ورفعة شأن أوطاننا. فعلينا أن نكون إيجابيين. وأن نتخلص من كل عوامل وجوانب السلبية المقيتة. مع استعدادنا لدفع ضريبة الإصلاح وتحمل تبعاته. لأن طريق الإصلاح طويل وشاق ويحتاج إلي صبر وأناة وجهود مضنية. فقد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. غير أن من سار علي الدرب وصل "والعاقبة للتقوي".