الدكتور عمرو حمزاوى كاتب له باع فى التحليل السياسى لا ينكره منصف، وهذه الموهبة تحتم على الرجل التدقيق فى تأثير كتاباته على جمهور القراء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العليا للوطن والمواطنين وترتفع درجة الحرص إلى الذروة إذا تعلق الأمر بالصراع مع عدو يبحث عن أية فرصة تصرف الأنظار عن اعتداءاته الوحشية على الفلسطينيين، وعلى المقدسات الإسلامية، وتثير موجة من التعاطف معه.
فى هذا السياق، توقفت طويلاً أمام مقال للدكتور حمزاوى نشرته صحيفة الشروق الأسبوع الماضى يصور لنا ببراعة قصصية حكاية أسرة يهودية مصرية تهيم عشقًا فى حب مصر هذه الأسرة عانت من اضطهاد السلطات المصرية بعد ثورة يوليو عام 1952 واضطرت أمام هذا الاضطهاد الذى «أمم» ممتلكات إلا وضيقت على «اليهود» بوسائل شتى حتى أرغمتهم على الرحيل من مصر، ومات رب الأسرة مغتربًا، وهو يعانى الحاجة والمرض، ويؤكد سيادته بأكثر من عبارة أن اليهود المصريين غادروا مصر مضطرين تحت ضغط السلطات المصرية وباعوا ممتلكاتهم بثمن بخس أو تخلوا عنها هربًا من مطاردة السلطة.
بعد قراءة هذا المقال تدافعت عشرات الأسئلة فى رأسى، أولاً: ألم يقرأ الدكتور حمزاوى العديد من القصص الموثقة عن عصابات صهيونية فى مصر والعراق وغيرهما من الدول العربية كانت ترتكب أعمالاً إجرامية أعنف وتفجيرات، ضد اليهود فى هذه البلاد لتدفعهم إلى الهجرة إلى إسرائيل؟!
ثانيًا: ألم يقرأ الدكتور حمزاوى عن دعاوى وتحركات للحكومات الإسرائيلية تطالب فيها بتعويضات عن أملاك اليهود فى البلاد العربية بدعوى أن هؤلاء غادروا بلادهم مرغمين تحت تهديد السلطات الرسمية؟
وفى مثل هذه الدعاوى تصبح كتابات الدكتور حمزاوى دليلاً ثبوتيًا لصالح إسرائيل؟! بمنطق وشهد شاهد من أهلها؟
ثالثًا: هل كان التأميم يا أخ حمزاوى قرارًا موجهًا لليهود المصريين؟! أم أن قرارات التأميم شملت جميع المواطنين المصريين والأجانب المقيمين فى مصر؟
رابعًا: ألم يفكر الدكتور حمزاوى للحظة أن توقيت نشر هذا المقال يمنح غلاة الصهاينة طوق نجاة من غضب عارم يجتاح الشعوب العربية، بل والقوى المحبة للسلام الحقيقى وحقوق الإنسان؟ هذا الغضب الذى فجرته ممارسات قمعية وجرائم قتل بدم بارد يرتكبها جنود الاحتلال الصهيونى فى محيط المسجد الأقصى وفى أكثر من موقع بفلسطين؟
مثل هذا المقال يحول المشاعر الشعبية إلى التعاطف مع إسرائيل والإسرائيليين باستدعاء حكايات عن معاناة اليهود فى مراحل تاريخية سابقة بغرض صحة أخبار هذه المعاناة؟
خامسًا: إذا كانت قصة الرجل الذى يلبس البدلة الشارسكين البيضاء قد أثرت بقوة فى مشاعرك، فهل تأثرت بنفس القدر بآلاف القصص عن مئات الآلاف من اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من بيوتهم وما زالوا حتى اليوم ولأكثر من نصف قرن يعيشون حياة لا تليق بالآدميين فى مخيمات؟ لا يجدون مكانًا مناسبًا يؤويهم بل لا يحملون أوراقاً تثبت جنسيتهم تتيح لهم كباقى البشر فى العالم كله حرية التنقل؟!
يا سيد حمزاوى.. لا أحسبك من الغفلة بحيث تخفى عنك كل هذه الملابسات ولا شك أن ثقافتك تجعلك تدرك جيدًا مغزى القول المأثور «لكل مقام مقال»، ولا أشك أنك تدرك مدى الخدمة التى يقدمها مثل هذا المقال لغلاة الصهاينة الذين لا يتوقفون عن ارتكاب كل ألوان البطش على الشعب الفلسطينى ويضمرون العداء الأسود لكل ما هو عربى.
ختامًا لا أملك إلا أن أقول «عافاك الله يا سيد حمزاوى»، فمثل هذا المقال وفى هذا التوقيت وتلك الظروف لا يمكن أن أتصور أنه خطأ غير مقصود، لأننى أقدر موهبتك التى لا تجعل مثلك يقع فى مثل هذا الخطأ.
يا دكتور حمزاوى حتى إذا تصورنا أن هذا المقال ليس أكثر من خطأ غير مقصود، فإننى فى هذا المجال أستدعى أقوالاً مأثورة، الأول يقول «خطأ العالم خطيئة»، والثانى يقول: «الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة».
مرة أخرى عافاك الله.