التحرير
سامح عيد
الفوبيا مرض مش مضاد حيوي
لا أدري إن كان من حقنا أن نختلف مع رئيس الجمهورية أم لا، خاصة بعد تأميم المجال العام الذي يسير بسرعة، ولكني سأعبر عن رأيي، سواء وجد طريقا إلى النشر أم لا. ونطرح سؤالا: هل فوبيا سقوط الدولة هي استراتيجية جيدة لاستدعاء استثمارات خارجية وعودة السياحة وتحقيق معدلات نمو كبيرة؟ الفوبيا أو الرهاب، هو مرض نفسي بكل تأكيد ويحتاج إلى العلاج، وهو الخوف الزائد أو المبالغ فيه والذي يصاب الإنسان به سواء بالوراثة أحيانا أو من خلال مواقف في الحياة رسخت في الوجدان، ومنه الرهاب البسيط، الخوف من العنكبيات أو الكلاب أو الفئران إلخ، ومن قرأ رواية 1984 لجورج أويل، سيرى كيف كان يستخدم في التعذيب وهو أشد أنواع التعذيب تأثيرا حيث كانوا يبحثون عن أنواع الرهاب عند الخاضع للتحقيق، ويضعون رأسه في صندوق به حيوان الرهاب. وهناك أنواع كثيرة من الرهاب مثل رهاب الأماكن المرتفعة أو الأماكن الضيقة، أو الأماكن المظلمة. وهناك الرهاب الاجتماعي المعمم، وهو الخوف بشكل عام من المجتمع ومن التفاعل معه. فكرة فوبيا سقوط الدولة، وهو إخافة المواطن من حالة من حالات غياب الأمن وغياب القانون، وغياب الدولة للقبول بمعيشة غير آدمية ولا تحقق الحد الأدنى من الحياة الكريمة ليس عملاً محمودا يُجنّد الإعلام من أجل تعميمه. هل تعرف أن إحدى طرق علاج الرهاب أو الفوبيا هو المواجهة أو الصدمة. وكما يقول المثل المصري وقوع البلا ولا انتظاره، ربما كان يُهدد أحدهم بالسجن ويمارس هذا الشخص أشياء ضد إرادته وكرامته تجنبا لهذا الأمر وعندما يحدث يجده ليس مخيفا بالدرجة التي كان يتخيلها وأنه قادر على التعايش مع هذا الأمر السيئ. فعندما يصنع الإعلام فوبيا سقوط الدولة فهو انتظار البلا، فربما يتعجل نسبة من المواطنين حدوثه من منطلق نظرية وقوع البلا ولا انتظاره.

ومصر كدولة زراعية بالأساس هي أكثر ميلاً للاستقرار، ومرت عليها أحداث سياسية كثيرة واستطاعت أن تستوعبها وتتعامل معها فقد مرت عليها حكومات وسياسات عدة من الدولة الراشدة (عمر وعثمان وعلي) للدولة الأموية للعباسية للفاطمية للمماليك للعثمانيين، مرورا بالاحتلال الإنجليزي والفرنسي، وفي كل مرحلة كان يحدث اضطراب مؤقت وبعدها تنتظم الدولة، لأن عموم الناس لا حاجة لهم كبيرة بالدولة المركزية وكانت حاجة الدولة المركزية لهم أكبر، حيث تجمع منهم الضرائب لإدارة شؤون البلاد والصرف على الجنود الذين يحرسون السلطان وينفذون القانون أيضا. ربما أصبح للدولة المركزية الآن دور أكبر، حيث العلاقات الخارجية وجوازات المرور والحركة سواء كانت برا أو بحرا أو جوا، وحركة الاستيراد، لأن أكثر احتياج للدولة يأتي من الاستيراد، والدولة لم تعد مطمعا كما قال الرئيس، فهي دولة بها مئة مليون مواطن، وكما قال الرئيس يحتاجون إلى مئة مليار جنيه واللي يقدر يصرف عليها ييجي، فلسنا مطمعا لاستعمار جديد، كل ما هنالك أن الأمن الداخلي سيهتز، وقد مررنا بهذه التجربة في 2011، وأعتقد أنه لو حدث أمر من هذا النوع سيكون هناك حلول أخرى، وهي الأمن اللا مركزي، كل محافظة تدير مواردها وواجباتها بشكل لا مركزي ومنها الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية، وبسهولة تأهيل جهاز أمن داخلي مسلَّح خلال فترة وجيزة وقيام المحاكم المحلية بدورها، ربما تكون الأزمة الوحيدة التي ستواجه هذا النظام اللا مركزي، صوت التيارات الدينية التي ربما يرتفع ويعلو، وعندها ستضطر الإدارات المحلية إلى التفاوض معها وربما تقسيم المكاسب والرضوخ لبعض المطالب. ولن تمر فترة إلا بعودة مستوى من المركزية لاحق وتستتب الأمور ونعود لعقد اجتماعي جديد. مصر ليست دولة طائفية، ومن الصعب وجود صراعات دموية ممتدة على أسس طائفية أو عرقية، ربما تحدث مناوشات محدودة هنا وهناك، ولكنها ليست عامة، وقابلة للسيطرة مع الوقت. المشكلة أنه إذا كنا نتحدث عن 90 مليون مواطن، فهناك أكثر من ثمانين منهم لا حول لهم ولا قوة، ولا مجال لهم خارج هذا البلد، سواء كان آمنا أو أقل أمنا، ولكن هناك عدة ملايين ليسوا قليلي الحيلة، فوبيا سقوط الدولة ستخرجهم بأموالهم، باستثماراتهم من هذا البلد الذي يبحث مواطنوه عن فرصة عمل، ويجتهدون كي يضخوا أموالا في شرايين اقتصاد هذا البلد ونبحث عن استثمارات خارجية، فهل فوبيا سقوط الدولة ستأتي باستثمارات خارجية، وتعيد السياحة وتحقق النمو المرجو؟ المجتمع الخائف أو المصاب بالرهاب هل هو مجتمع ناضج؟ المجتمع الخائف والمصاب بالرهاب هو مجتمع مريض، معدل الاستقطابات فيه عالية. معدلات الجريمة والعنف الاجتماعي ستتزايد بشكل مطَّرد وليس الحل هو التخويف والفوبيا. ولا أدري كيف تسقط الدولة وفيها مؤسسة وطنية عسكرية قوية، أي اضطرابات اجتماعية أو سياسية واردة، وأي تغيير في الحكومات أو الأنظمة وارد، ولكن وجود المؤسسة العسكرية هو ضمان لامتصاص أي اضطرابات بعد وقت قصير، وفوبيا سقوط الدولة ليس جيدا في حق مؤسسة قوية مثل قواتنا المسلحة. وفكرة جري الإعلام سريعا وتلبية هذا الطلب وكأنها استراتيجية الإعلام فهذا أمر يجب التوقف عنده، لأنه مخيف، خاصة ونحن مقدمون على انتخابات في غضون شهور قليلة، فالعد التنازلي قد بدأ، والدخول على انتخابات بفوبيا سقوط الدولة، دخول على انتخابات مشكوك في نزاهتها، فالديمقراطية ليست فقط الأصوات داخل الصناديق، ولكنها الحرية المطلقة والتصويت بدون أي تأثيرات خارجية، ولكن فكرة خضوع المواطنين للتصويت تحت فوبيا سقوط الدولة، سيكون تصويتا غير نزيه. أتمنى أن يراجع الإعلام نفسه في هذا الأمر، وتخلصوا من الفوبيا فلن تسقط مصر.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف