الدستور
د. محمد عفيفى
تأميم القناة: ضربة معلم
مرّت بنا منذ يومين ذكرى تأميم قناة السويس، هذا الحدث المهم فى تاريخ مصر والمنطقة العربية، وربما العالم بأسره.
إذ ينظر بعض المؤرخين إلى قناة السويس على أنها بمثابة «تاريخ مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين»، ولِمَ لا، وقد ضحى المصريون بدماء الآلاف منهم أثناء حفرها.
مشروع حفر القناة أثار، منذ البداية، حفيظة البعض، إذ عمدت بريطانيا إلى ضرب هذا المشروع عن طريق مد خطوط السكك الحديدية فى مصر لتربط بين الإسكندرية والقاهرة والسويس، وكانت مصر نتيجةً لذلك من أوائل الدول التى عرفت السكك الحديدية فى العالم.. كما حقد المشروع الصهيونى، وفى وقتٍ مبكر، على قناة السويس، وطرح مشروعًا بديلًا لربط البحرين المتوسط والأحمر بعيدًا عن قناة السويس، ولا يزال هذا المشروع يراوِد الأحلام الإسرائيلية حتى الآن!
وحاول الخديو إسماعيل الاستفادة من الحفل الأسطورى لافتتاح القناة عام ١٨٦٩ فى إعلان استقلال مصر، وطلب تدعيم أباطرة أوروبا لفكرته، لكن هذه الفكرة لم يُكتب لها النجاح لأسبابٍ محلية ودولية.
وعملت بريطانيا على وضع قدم لها فى مصر، حيث حرصت على شراء حصة أسهم مصر فى القناة، مستفيدة من الأزمة المالية التى عصفت بمصر أيام الخديو إسماعيل. وهكذا فقدت مصر ما تبقى لها من أسهم وحقوق فى قناة السويس، حيث أصبحت القناة شركة عالمية، بل وأضحت فى الواقع دولة داخل الدولة، وصبر المصريون على هذا الوضع الشاذ على أمل أن تعود القناة مرةً أخرى إلى السيادة المصرية بعد مدة انتهاء امتياز الشركة فى عام ١٩٦٨.
القناة ليست للبيع
وفى ظروفٍ غامضة فى عام ١٩١٠، طرح البعض على الساحة المصرية مشروعًا غريبًا عن العقل الجمعى المصرى، إذ روَّج البعض لإمكانية مد مصر حقوق الامتياز لشركة قناة السويس بعد عام ١٩٦٨ مقابل قدر كبير من المال! وراح زبانية هذا المشروع يُعددون مزاياه، إذ ستستطيع مصر من خلال ما تتقاضاه من أموال سداد ما تبقى عليها من ديون، فضلًا عن هذا سيُوجَّه القدر الأكبر من هذه الأموال لمشاريع استثمارية لنفع الأمة!!
وهبَّ الرأى العام المصرى فى ثورةٍ عارمة ضد هذا المشروع، إذ نددت الصحافة المصرية به مستنكرةً أن تُباع مصر، وأحرجت ثورة الرأى العام المصرى سلطات الاحتلال البريطانى، آنذاك، التى لم تجد بُدًا من إلقاء الكرة فى ملعب رئاسة الوزراء المصرية، لكن الأخيرة لم تستطع أن تأخذ رأيًا نهائيًا فى المشروع وطالبت بعرضه على (الجمعية العمومية) برلمان ذلك الزمان، وهنا وقف النواب وقفة رجل واحد إزاء هذا المشروع، ونددوا به وأحرجوا الوزارة نفسها، ووقف البعض فى مجلس النواب واصمًا بالعار من يتبنى هذا المشروع، ورأى آخر أن هذا يعد بيعًا لتاريخ مصر، ونبّه ثالث الأذهان إلى أن الأجيال المقبلة لن تغفر لنا هذا الفعل الشنيع لأننا صادرنا حلمهم فى عودة السيادة المصرية على القناة.. وأمام ذلك كله وُئِدَت فكرة المشروع، وانتصر الرأى العام المصرى، ولم يبع المصريون حاضرهم ومستقبلهم.
وطرحت الحركة الوطنية المصرية فى سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين مشروع تأميم قناة السويس، ولا ننسى المقالات العديدة ورسوم الكاريكاتير فى الصحافة المصرية آنذاك، والتى كانت تدعو إلى وحدة مصر والسودان وتأميم القناة، وإنهاء وجود الوضع المستفز لشركة القناة، التى أصبحت بمثابة دولة داخل الدولة المصرية.
من هنا ندرك لماذا أطلق المصريون على تأميم جمال عبدالناصر القناة «ضربة معلم»، لقد أدرك ناصر بالفعل أن عودة القناة إلى السيادة المصرية هى الحلم الذى ينتظره المصريون منذ عشرات السنين، ولذلك وقف الجميع وراء عبدالناصر فى عام ١٩٥٦ لأنه كان بمثابة أمل الأمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف