مهما حاولت آلة الحرب الاسرائيلية المسلحة بأحدث أدوات التكنولوجيا المتطورة أن تفعل لاثبات أحقيتها في القدس متسللة من بوابة المسجد الأقصى، فلن تفلح مساعيها في انكسار الارادة الفلسطينية في إسقاط حقوقهم الراسخة بأقصاهم وقدسهم «بوابة السماء». لقد حاولت اسرائيل مرارا وتكرارا وبطرق مختلفة اختراق حصن المسجد الأقصى للنيل من كرامته وشموخه بالحفريات التي تقوم بها بزعم البحث على جبل الهيكل تارة وبالاجراءات العقابية التعسفية ضد المقدسيين تارة أخرى , لكنها فشلت في إرضاخ يقينهم وثباتهم تجاه أحقيتهم في أرضهم المقدسة أو المساس بمقدساتهم التي تمثل خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه .
اختبرت دولة الاحتلال جميع الوسائل للسيطرة على القدس ومقدساتها وخلال نصف قرن تعرضت المدينة لكافة أشكال القمع والتهويد دون جدوى، فتعرض المسجد الاقصى للاحراق المتعمد عام 1969 والهجوم المنظم على ساحاته ومداخله , في الوقت الذي لم يتوقف فيه المستوطنون الارهابيون عن التخطيط والعبث بحرمة المقدسات بالممارسات الاستفزازية والدعوة علنا لهدم الحرم الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنع المسلمين من الصلاة وطردهم من القدس بالتنسيق والتعاون مع سلطات الاحتلال الاسرائيلى , واليوم تمارس سلطات الاحتلال سياسة الحصار على القدس الشريف والتنكيل بالمقدسيين والتعامل مع المرابطين والمصلين بوحشية ضد التظاهرات السلمية أمام الحرم الشريف , بعد أن فشلت محاولاتها المستميتة على مدار سنوات احتلالها للقدس من تحقيق مآربها أو التقدم خطوة واحدة في تجاه فرض سيادتها الكاملة على مدينة السلام .
تعلم اسرائيل أن سيادتها منقوصة طالما لم تستطع السيطرة على القدس الموحدة (الشرقية والغربية) فحتى الآن تعتبر القدس الشرقية أرض محتلة، وبحسب القانون الدولى فإن ضم شرق القدس من قبل حكومة الاحتلال غير قانونى وغير معترف به. عملت اسرائيل طوال سنوات الاحتلال على تنفيذ سياسات وقوانين عنصرية من أجل تقليص الوجود الفلسطينى في القدس الشرقية , فأعلنت عن سياسة حكومية واضحة حسب مخطط (2020 ) تسعى فيها للحفاظ على توازن سكانى بنسبة 60% من اليهود و40% من العرب الفلسطينيين داخل حدود بلدية القدس التي أعلنتها اسرائيل من جانب واحد على أنها عاصمة موحدة لاسرائيل عام 1980 .
مارست دولة الاحتلال كافة أشكال العنف وخططت لسياسات شديدة العنصرية تمثلت في جملة من الاجراءات مثل «مركز الحياة»، قانون الجنسية لعام 2003 , قانون الدخول , قانون أملاك الغائبين , نظام البناء وإعطاء التصاريح التمييزى بالاضافة إلى قانون العودة. وتحت مظلة كل هذه السياسات القانونية خلقت اسرائيل ظروفا معيشية صعبة لا تطاق للفلسطينيين وانخرطت في تهجيرهم القسرى الصامت , فصادرت الأراضى والممتلكات ورفضت إصدار التصاريح بالبناء وهدمت منازل الفلسطينيين بأسلوب تمييزى ممنهج , وفرضت قيود مشددة على التطور الطبيعى للأحياء الفلسطينية مقابل تسهيل توسع المستوطنات الاسرائيلية في شرق المدينة , فسحبت حق الاقامة الفلسطينية للمقدسيين وفرضت قيود صارمة على لم شمل العائلات ومنعت تسجيل الأطفال المقدسيين , كل ذلك في إطار خطة محكمة لنزوح سكان القدس الأصليين لعزل المدينة وفصلها تماما عن بقية الأراضى الفلسطينية المحتلة تمهيدا لفرض سيادتها الكاملة عليها وتهويدها .
لقد فشلت اسرائيل في إذعان المقدسيين لمخططاتها التهويدية طوال السنوات الماضية، والآن تسقط في بئر الهزيمة أمام صمود المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى منذ أعلنت عنه منطقة عسكرية مغلقة في منتصف الشهر الجارى بعد العملية التي نفذها ثلاثة شبان فلسطينيين من بلدة أم الفحم في الداخل الاسرائيلى في باحة المسجد الأقصى , وطوال أيام الاعتصام في محيط المسجد لم تستطع اسرائيل فرض هيمنتها عليه أو التحكم بمن يدخل إليه أو يخرج منه عبر البوابات الالكترونية والكاميرات الذكية التي نصبتها على بواباته وما لبثت أن قامت بازالتها تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية. انتصرت الارادة المقدسية في صون مقدساتها من الاستباحة , لم تذهب تضحياتهم سدى بعد تراجع قوات الاحتلال وازالتها لكافة التدابير الأمنية التي كانت قد وضعتها على مداخله وإعلان المرجعيات الدينية بإعادة فتح المسجد الأقصى , شعر المقدسيون بنشوة أول انتصار يتمكنون من تحقيقه على اسرائيل منذ احتلال مدينتهم عام 1967 , وفاجأ المرابطون قوات الاحتلال بأعدادهم الغفيرة وصمودهم وتحديهم ووحدتهم , فعجزت عن تنفيذ مخططاتها , أرغمت اسرائل على التراجع عن قراراتها الأخيرة بحق المسجد الأقصى وانتصرت إرادة الشعب والمرابطين على إرادة الاحتلال , مشاعر الفرحة التي غمرت قلوب أهالى المدينة لم تغفل خشيتهم من وجود مخططات اسرائيلية سرية جديدة ضد المدينة والمسجد , هم يعلمون أن اسرائيل لن تستسلم وستواصل مخططاتها لتهويد المدينة ومقدساتها , ويدركون أيضا أن أي خطوات تصعيدية من جانب اسرائيل لن يثنهم عن دخول أقصاهم ومقدساتهم منتصرين غير أذلاء!! عاشت إرادة الشعب وعاش صمود المرابطين .