الأهرام
محمد أمين المصرى
فلسطين بين الفيصل وديجول
بعث لى صديق بنص حوار من أروع ما دار من سجالات بين واحد من أخلص الزعماء العرب الملك فيصل، رحمة الله عليه، والرئيس الفرنسى الراحل شارل ديجول، روعة الحوارالذى جاء فى مذكرات الدكتور معروف الدواليبى السياسى السورى المعروف، يتلخص فى بلاغة الملك فيصل أمام تساؤلات ديجول.. وسأحاول اختصار الحوار ليكون فى حدود الكلمات المسموحة.

قال ديجول لفيصل: تريدون جلالتكم أن تقذفوا بإسرائيل فى البحر وقد أصبحت أمرا واقعا ولا يقبل أحد بهذا. فرد الفيصل: أستغرب كلامك، فهتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمرا واقعا وكل فرنسا استسلمت إلا أنت انسحبت مع الجيش الانجليزي، وقاومت الاحتلال ولم ترضخ أنت وشعبك لهذا الأمر الواقع، فكيف تطالبنى الآن بالرضاء بالأمر الواقع.. والويل يافخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي.

دهش ديجول من سرعة بديهة الملك فيصل ورده المنطقى فغير لهجته وقال: يا جلالة الملك، يقول اليهود إن فلسطين هى وطنهم الأصلى وجدهم الأول ولد هناك. فأجاب الملك: أنا معجب بك فخامة الرئيس لأنك متدين، ألم تقرأ بالكتاب المقدس أن اليهود جاءوا غزاة من مصر وحرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال؟ فكيف تقول إن فلسطين بلدهم وهى للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذى كان لإسرائيل منذ أربعة آلاف سنة؟! فلماذا لا تعيد روما استعمار فرنسا الذى كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط ؟! أتصلح خريطة العالم من أجل اليهود ولا تصلحها من أجل روما؟ ونحن العرب أمضينا مائتى سنة فى جنوب فرنسا فى حين لم يمكث اليهود فى فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها!

قال ديجول: ولكنهم يقولون إن أباهم ولد فيها! فأجاب الفيصل:غريب أمرك عندك الآن مائة وخمسون سفارة فى باريس وأكثر السفراء يلدون أطفالا فى بلدكم، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة فى باريس فمسكينة باريس لا أدرى لمن ستكون.

يحكى معروف الدواليبى أن ديجول اعترف وقتها بأنه استوعب القضية الفلسطينية، وأوقف تصدير السلاح لإسرائيل. رحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف