الوفد
عباس الطرابيلى
ذهبت الحدائق.. وبقيت الأسماء!
تروح الأشياء، وتختفي، ولكن تظل الأسماء باقية، ربما حنيناً للماضي.. أو لأن ذلك عادة مصرية قديمة. وربما ليتذكروا أن مصر، كانت، جميلة زمان.
مثلاً كان جزء كبير من مناطق العاصمة عبارة عن حدائق.. منها حدائق الزيتون «وواضح من الاسم شيئان: حدائق.. وزيتون. وحدائق شبرا ولا ننسي هنا أن شارع شبرا كان كله عبارة عن طريق تنتشر علي جانبيه أشجار اللبخ التي تعطي زهرة الجزء الأسفل منها أحمر اللون.. والعلوي أبيض. ولذلك أطلق عليها الناس اسم «ذقن الباشا» الذي هو هنا محمد علي باشا إذ كان لون بشرته يميل إلي الاحمرار بحكم «يونانيته من قولة» بينما شعر ذقنه يميل إلي الأبيض. وهو الذي زرع هذه الأشجار ليستظل بها الناس- وهو شخصياً- عندما يذهب إلي قصره الجديد، في شبرا الخيمة الآن. وكذلك لاحظوا هنا أيضا اسم حي «روض.. الفرج» والروض من الرياض أي الحدائق..
وكان بالقاهرة ايضا: حدائق المعادى.. وحدائق القبة
<< وفي القاهرة أسماء لميادين ومناطق مثل: باب الشعرية. وباب الخرق الذي هو باب الخلق، وباب اللوق. وكل هذه الأبواب كانت موجودة وذهبت. وان ظل هناك باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح. وكذلك شارع السد بالسيدة زينب حيث كان يقام سد ترابي يزال سنوياً عندما يتجاوز ارتفاع الفيضان 16 ذراعاً.. لتجري مياه النيل في الخليج المصري!! وكان بالقاهرة العديد من البرك «البحيرات الصغيرة» كلها زالت ولكن بقيت أسماؤها مثل بركة الفيل، وكانت الأزبكية نفسها.. بركة أيضا.. تماماً كما كان في القاهرة عدد من العيون أشهرها: عين شمس.. وعين حلوان.. وعين الصيرة ذهبت بعضها ومازال بعضها يقاوم الزمن..
<< وإذا كانت ساقية مكي قد أزيلت.. وانتهي دورها، لانتهاء الأراضي الزراعية من المنطقة.. فكذلك مازالت عزبة النخل علي حواف القاهرة ولكن المؤكد هو انخفاض عدد النخل هناك.. وربما تزحف عليه قريبا عشوائيات المساكن حمراء اللون ليصبح اسمها: عزبة الأحمر.. بدلا من عزبة النخل، الخضراء.. وهي نفس مأساة منطقة صفط اللبن بالجيزة التي أكلتها بيوت العشوائيات والأبراج أحياناً.. فلم يعد هناك لا لبن ولا عسل.. بل مجرد اسم لا أكثر!!
حتي المعصرة التي تذكرنا بالمعاصر التي أقامها عدد من اليونانيين- المتمصرين.. انتهت منها هذ ه المعاصر.. وذهبت.. هي ومنتجاتها من معاصر العنب وقصب السكر.. ومن أبرزها الخل.. تماماً كما انتهي كوتسيكا وكل منشآته علي نفس الخط.. بل اختفت الثكنات العسكرية من المعادي رغم وجود اسم ثكنات المعادي علي احدي محطات خط المترو..
<< والناس- في منيل الروضة وفي منطقة مصر القديمة- مازالت تطلق الملك الصالح على الكوبري الشهير، الذي يربط المنيل بمنطقة جنوب شرق القاهرة. وشاع فترة أن البعض أطلقوا اسم «الملك الصالح» عندما أطال الملك فاروق لحيته ولكن الاسم الحقيقي يعود إلي الملك الصالح نجم الدين أيوب لأن قصره العظيم وكل حدائقه كانت هناك، ولذلك حمل مماليكه اسم المماليك البحرية لأنهم تربوا في قلعته في الروضة.. وكذلك شارع سوق السلاح!!
<< حقاً.. ذهب كل ذلك.. ولكن بقيت الأسماء لتذكرنا بتاريخ كل هذه المناطق.. رغم أن كل ما فيها ذهب وزال.. ولم يعد سوي ذكري وهذا قدرنا لأن مصر تمتلك تاريخاً ممتداً لآلاف السنين.. وأمامنا «قصر العيني» نفسه الذي ذهب صاحبه وذهب القصر.. وحتي المستشفي القديم ذهب ولم يعد باقياً إلا مجرد الاسم.. تماماً كما بقيت أسماء كل ما ذكرت مجرد لوحة علي ناصية شارع تذكر الناس.. بما مضي!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف