سمعت هذه الجملة من الرئيس فى خطابه الأخير بمؤتمر الشباب فى الإسكندرية، الكلمة شدت انتباهى واستوقفتنى.. مما دفعنى لكى أكتب وأحاول أن أجيب عن السؤال الذى يدور فى ذهن الرأى العام، ما الذى دفع الرئيس لطرح هذا المصطلح.
دعونا أولاً نعرف ما هى الفوبيا.. فأنا معتاد على استخدام هذا المصطلح بشكل يومى بحكم عملى كطبيب نفسى.
الفوبيا فى مراجع الطب النفسى تعنى «الرهاب»، وهى كلمة يونانية، وهو أحد الأمراض النفسية التى تعبر عن الخوف المتواصل والمبالغ فيه بشكل غير طبيعى من أشياء معينة عند وقوعها أو التفكير فى حدوثها.
الرئيس أكد أنه يشعر بهذا الشعور منذ 2011، ولابد أن لها دلالات ومؤشرات عنده.
تقول مراجع الطب النفسى الفوبيا فى بعض الأحيان لها مبرر، وأنها مرتبطة بمدى المعلومات التى لديك عن مصدر الخوف ومدى إدراكك لخطورتها.
الرئيس بالتأكيد لديه مبرر قوى ويريد أن ينقل لنا هذا الشعور بالفوبيا، فهى يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر.
الخوف فى علم النفس يدفعك إلى أشياء كثيرة، فهو أكبر حافز للابتعاد عن الخطر والبقاء والاستمرار.
لو ركزنا على التوقيت الذى ذكر فيه الرئيس بأنه يشعر بهذه الفوبيا منذ 2011.
«الفوبيا» حدوثها مرتبط بسوابق وحوادث معينة وتوقيت معين، فى هذا الوقت كان سيادة الرئيس مدير المخابرات الحربية ولديه معلومات وحقائق عن كل ما يحاك ضد مصر من مؤامرات ومكائد، ووصل إلى يقين أنه مخطط كامل لإسقاط الدولة، هذه الفوبيا دفعته إلى المقاومة والتحدى والتفاعل مع هذا المخطط.
الجزء الثانى وهو الحديث عن إسقاط الدول أو إفشالها وكيف يتم هذا، فى علم النفس السياسى هناك محاولات لفهم كيف سقطت دول وتفككت وفشلت.
السبب الرئيسى لسقوط الدول كان نجاح الفوضى وسيطرة العشوائية على كل شىء، وخوف المسئولين من أصحاب الصوت العالى، وأيضًا انتشار الشائعات والإرهاب وتحوله إلى حرب طائفية وأهلية، بجانب احتكار السلع، وضعف الخدمات العامة فى الصحة والتعليم، وتمر هذه العملية بعدة مراحل إلى أن تصل لمرحلة ما يسمى الدولة الفاشلة “Failed state”.
وعرفت مراجع علم النفس السياسى الدولة الفاشلة، هى الدولة التى تفشل حكومتها فى إدارة الملفات الأساسية كالعدل والأمن والخدمات والتعليم والصحة والغذاء والكهرباء، ويكون الإفشال عن طريق عمليات استخباراتية ممنهجة ومدبرة من أجهزة دول معادية وعواقب إسقاط وإفشال الدولة هى التفكيك والتقسيم، كما حدث فى عدة دول كبرى مثل الاتحاد السوفييتى ويوغسلافيا.
كل هذا كان يحدث عقب 25 يناير 2011، وسنرصد لكم نماذج باختصار، انفلات أمنى وبلطجة، إضرابات واعتصامات فى جميع مؤسسات الدولة، احتكار للسلع الغذائية وغياب سلع استراتيجية مهمة، أزمات فى الخدمات العامة من صحة وتعليم ووقود وكهرباء، ظلام دامس لمدة أيام فى عدة محافظات وقرى، دخول النقابات المهنية فى العمل السياسى ومن أبرز الأمثلة نقابتا الأطباء والصحفيين، عنف الملاعب وتدخل الأولتراس فى السياسة وإحداث الفوضى، تسريبات امتحانات الثانوية العامة، وأخيرًا إرهاب دولى على الحدود.
رغم كل ما حدث، حدثت أمامه مقاومة رهيبة من الدولة، رأينا نتائج ملحوظة فى النهوض منها حل أزمة الكهرباء، عودة الأمن، مشاريع قومية فى كل أنحاء مصر، توقف تسريب الامتحانات.
نعود مرة أخرى لماذا أعلن الرئيس عن مخاوفه؟ والإجابة لقد أخفى الرئيس هذا الخوف واختار أن يقاتل ومعه رجال الدولة الشرفاء من أجل إنقاذ مصر.
يريد الرئيس أن يتهيب وينتبه الناس والرأى العام للخطر.. لأن جزءاً من علاج الخوف هو أن تدركه وكيف تتخلص منه وتنتصر عليه، لأن بعض المتآمرين والخونة يريدون أن ينكروا وجود حرب نفسية، والبعض الآخر يختار الإرهاب.
الهروب والإنكار لم يكن أبدًا نوعا من أنواع العلاج من الفوبيا، هكذا تعلمنا فى مراجع الطب النفسى وتعلمنا المواجهة.
ما حدث هو إعلان حرب.. نعم إعلان حرب على العمليات النفسية التى تقام ضدك من دول معادية وتنظيمات إرهابية عالمية.
أكرر لأن هناك للأسف بعض المغيبين أو بعض الخبثاء.. ينكرون وجود حرب نفسية وعمليات نفسية.. هناك مؤامرة وللأسف يتبعهم كثيرون.
نعرف لكم ما هى العمليات النفسية «psychological operation»، هى عمليات مخططة وممنهجة يتم من خلالها اختيار معلومات محددة ومعينة وتوصيلها من خلال الأعداء والحكومات الخارجية المضادة، ويكون الهدف منها هو التأثير نفسيًا ومعنويًا على عواطف ودوافع الشعوب، وبالتالى على صناع القرار، للقيام بتطبيق العمليات النفسية يكون هناك دراسة كاملة على طباع وعادات الشعوب وسلوكياتهم. وقد طبقت العمليات النفسية أثناء الحرب الباردة وقد استخدمت بقوة أثناء الغزو الأمريكى للعراق وأفغانستان.. واستخدم دافع الديمقراطية والتخلص من الإرهاب للعب على مشاعر وأخذ تأييد العالم للغزو.. وأيضًا هناك دراسات واستطلاعات تجرى بشكل يومى على المصريين من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، ومن خلال جواسيس العصر الحديث أو من يطلقون على أنفسهم نشطاء ويتم استخدامهم فى نشر معلومات كاذبة وشائعات وسخرية من كل شىء وتصدير مناخ تشاؤمى.
أكرر أن المعلومات والحقائق كانت ولا تزال كلها أمام الرئيس.. وأنه اختار هذا التوقيت لإعلان الحرب بشكل صريح والحرب تحتاج إلى شعب وإعلام واعى، كما حدث فى حرب 73، ونذكر بكل الخير الدكتور عبدالقادر حاتم مسئول ملف الخداع الاستراتيجى والذى نجح فى تهيئة الرأى العام واستخدام الإعلام بشكل إيجابى.
الرئيس يريد إعلام حرب وليس إعلاما على الحياد.. إعلاما يفهم كيف يحافظ على الدولة من الفشل.
كانت حربا سرية ولكنها الآن أصبحت علنية ومطلوب التعبئة والاستعداد من أجل معركة البقاء والثبات ونجاح الدولة، هى كأى حرب المقاتل يخوضها دون أن يعطى تفاصيل عن كيفية خوضها.
ولكن يعلم الجميع أن من أراد خوض الحرب يجب أن يقف بجانب بلاده.