الوطن
د. محمود خليل
المقدسيون
يوم الجمعة الماضى، نجح المقدسيون فى إجبار سلطة الاحتلال الإسرائيلى على فتح المسجد الأقصى من كافة أبوابه، وانثالوا من عتباته المقدسة لأداء الصلاة. قبلها بيوم: «الخميس» تجمع آلاف المصلين أمام باب «حطة»، مطالبين بفتح الباب لأداء صلاة العصر، ما أنذر بكارثة غير محمودة العواقب، فاضطرت سلطة الاحتلال إلى فتح الباب، ليتدافع المصلون من خلاله إلى داخل المسجد. مشهد الخميس أتمه مشهد الجمعة، حين فتحت أبواب الأقصى جميعها، ليدخل منها الفلسطينيون دون شروط.

الشاهد الأبرز فى هذا المشهد يتعلق بدور الشعوب فى حل المشكلات. سمعنا إدانات واضحة من عدد من الحكام والمسئولين العرب، تطالب الحكومة الإسرائيلية بحل المشكلة، لكنها لم تستجب، وحقيقة الأمر، فإننا لم نسمع عن تدخلات ذات بال من الجانب العربى يمكن أخذها فى الحسبان ونحن بصدد تحليل الرضوخ الإسرائيلى، الواضح أن إسرائيل استجابت لمطالب المقدسيين بعد تكاثر عددهم بأمر ينذر بكارثة، إن لم تتعامل مع الموقف بما يقتضيه من حسابات. قلت لك قبل يومين معلقاً على الأحداث التى شهدها الأقصى: «الشعوب لا تموت». الشعوب دائماً أقدر من أى حكومات، خصوصاً فى مواجهة سلطة احتلال. استجابة إسرائيل تعنى أن الشعب الفلسطينى هو الرقم الأهم فى المعادلة، وأن الدفاع عن الحق لا بد أن يتم بأيدى أصحاب الحق، وليس بيد غيرهم، وظنى أن تجربة الكفاح الطويلة التى خاضها الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلى، منذ الثلاثينات من القرن الماضى وحتى الآن، علّمت الفلسطينيين هذا الدرس بقسوة.

ربما يقول قائل إن جنود الاحتلال كانوا قادرين على سحق جماجم الفلسطينيين دون رحمة وإملاء ما يريدون عليهم، هذا الكلام صحيح ولا شك، ليس صحيحاً وفقط، بل هو واقع على الأرض، فقوات الاحتلال قتلت وأصابت عشرات المقدسيين، خلال الأحداث الأخيرة التى شهدها «الأقصى»، ولو أننا توغلنا أكثر فى التاريخ، فسنجد أن مذابح بنى صهيون ضد العرب والفلسطينيين لم تتوقف، ومقاومة الفلسطينيين هى الأخرى لم تتعطل. إنها معادلة علمية: «لكل فعل رد فعل مساو له فى القدر ومضاد له فى الاتجاه»، ثبت المقدسيون فى مواقعهم، وأصروا على حماية مقدساتهم، فنجحوا وأكدوا أن «الشعوب إذا أرادت فعلت». ربما أعادت إسرائيل الكرة، لكن المقدسيين سيعودون إلى المقاومة حتى تعتدل الأمور، ويفهم صانع القرار الإسرائيلى أنه ليس بإله يقول للأشياء كن فتكون!.

مهما بلغت مؤسسات الحكم من قوة، فإن الشعوب هى الأقوى، ومهما تمتعت بعض المنظمات الإقليمية من نفوذ، فإن الشعوب هى الأقوى، ومهما امتازت بعض القوى الدولية بالسطوة والقدرة على فرض ما تريد فإن الشعوب هى الأقوى. ومصدر قوة الشعوب هو انسجامها فى لحمة واحدة، بعيداً عن المنظمات والجماعات، لقد نجح المقدسيون عندما نسوا ألعاب فتح وحماس، وتحركوا بوعى أنهم فلسطينيون، وأن سلطة الاحتلال تريد السطو على ما تبقى من مقدساتهم، وأن من الواجب عليهم إثبات وجودهم فى موقف يصح أن نصفه بـ«الوجودى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف