الدستور
ماجد حبته
الأستاذ «جويدة».. يواجه الإرهاب!
..وبعد مرور ١٠٠ يوم، صدر القرار الجمهوري بتشكيل المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف. وكنت أتوقع ألا يصدر القرار أو القانون، إلا بعد عودة مجلس النواب من الإجازة، أي بعد ١٠٠ يوم، غير أن الجبل تمخّض «واللي كان.. كان»، وولد مجلسًا يضم في تشكيله الأستاذ فاروق جويدة. وهو المجلس الذي كان من المفترض أن يكون اسمه «المجلس الأعلى لمكافحة»، ويبدو أن شيئًا ما، خلال الـ١٠٠ يوم المنقضية، نزل بالسقف وربما بـ«ورق الحائط»، فتحولت «الأعلى» إلى «القومي» و«المكافحة» إلى «المواجهة»!.



تشكيل المجلس، «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف»، كان أحد القرارات التي انتهى إليها اجتماع مجلس الدفاع الوطني، يوم الأحد، ٩ أبريل الماضي، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له كنيستا مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية. وفى كلمته التي أعلن فيها القرار، قال الرئيس إن قانون إنشاء المجلس سيقوم بتنظيم أعماله وتمكينه من الاضطلاع بمهامه بفاعلية وسيعطيه صلاحيات تنفيذ توصياته لـ«ضبط الموقف كافة».



صدر، إذن، القرار الجمهوري رقم ٣٥٥ لسنة ٢٠١٧ بإنشاء المجلس، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشيخ الأزهر وبابا الإسكندرية ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، وكل الوزراء تقريبًا، باستثناء وزير الثقافة «وضع هنا خمس علامات تعجب»، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة، بينها الأستاذ فاروق جويدة الذي يتحفنا بمقال يومي في «الأهرام»، يكاد الثوّر من فرط ميوعته أن يلِدَا.. و«آه من الحزن ضيفًا ثقيلًا.. تحكّم في القلب واستعبدا.. دفاتر عمرك هيا احرقيها.. ومعها مليجي وليلى وهدى»!.



بهذا الشكل، صار علينا أن ننتظر من أعضاء المجلس أن يقوموا بوضع «استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف من جميع الجوانب، وإصدار القرارات والإجراءات الملزمة لتنفيذها، فضلًا عن تعزيز مشاركة جميع أطياف المجتمع في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، وتطوير الخطط الأمنية لمواجهة الخطر الناجم عنها، وزيادة الوعي المجتمعي بسبل التعامل مع تلك الظاهرة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تستغلها التنظيمات الإرهابية في جذب عناصر جديدة»!. وما بين التنصيص هو دور «المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف»، كما أوضحه المتحدث باسم الرئاسة، في بيان صدر الثلاثاء ١١ أبريل الماضي، أي منذ ١٠٠ يوم. ويكاد يطابق ما جاء في القرار الجمهوري الصادر منذ أيام. ودعك أي «سيبك» من «الأعلى» التي تحولت إلى «القومي» ومن «المكافحة» التي صارت «المواجهة»!.



الرجل المناسب.. في المكان المناسب.. وكلٌ ميسرٌ لما خُلِق له.. و«يامَا الجمل كسّر بطّيخ».. والأستاذ «جويدة» له تاريخ طويل، مع الإرهاب والتطرف، وله كذلك محاولات متعددة ومضنية في تصحيح المفاهيم المغلوطة، و«قد لا يعلم الكثيرون أن المفكر الإسلامي الراحل سيد قطب صاحب معالم الطريق وأحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين بدأ حياته ناقدا أدبيا‏، وكان من أنجب تلاميذ العقاد‏. وقبل هذا كله هو أول من قدم نجيب محفوظ عميد الرواية العربية للقراء». وما بين التنصيص كتبه الأستاذ شخصيًا، يوم ١٧ ديسمبر ٢٠١١، في هوامشه التي يزعم أنها حرة. ووقتها، كانت «الموضة» هي مغازلة الإرهابيين، باختلاق مآثر وأمجاد لآبائهم الأوائل!. وكعادته، ضبط الأستاذ «جويدة» بوصلته، على أحدث خطوط تلك الموضة وقام بـ«التجويد»!.



وبعد الإشارة إلى أن كتاب «الإرهابي المجحوم» اسمه «معالم في الطريق».. وبعد التأكيد على أن وصفه بـ«المفكر الإسلامي» جريمة في حق الفكر وفى حق الإسلام.. وبعد التشكيك في تلمذته على يد العقاد، ونفي النجابة عن المذكور وضرب الكف بالكف من استخدام صيغة «أفعل».. وبعد أن أنصحك باختيار مكان يمكنك فيه أن تخرج ما في جوفك، سألفت نظرك، ونظر الأستاذ، إلى أن القراء لم يكونوا في حاجة إلى من يقدم لهم نجيب محفوظ، في ذلك الوقت، لأن رواية «كفاح طيبة» التي كتب عنها «الإرهابي المجحوم» مقاله سنة ١٩٤٤، سبقتها أربع روايات، على مدار ١٢ سنة!. وعليه، كان غريبًا وعجيبًا ومريبًا، أن تجد الأستاذ جويدة، يجوّد ويضيف: «في هذا الوقت الذي تبنى فيه سيد قطب إبداع نجيب محفوظ، لم يكن أحد يعلم أن هذا الكاتب المغمور سوف يصبح رائد الرواية العربية».



هكذا، وبعد ١٢ سنة على صدور روايته الأولى «مصر القديمة»، وبعد «همس الجنون»، «عبث الأقدار»، «رادوبيس»، يُوصف روائي مصر الأكبر بـ«الكاتب المغمور»، في ذلك «الفرح» صاحبه «طُهور»، والذي استعمل فيه الأستاذ جويدة «ربما» في غير موضعها: «ربما تغيرت أفكار وثوابت سيد قطب بعد ذلك». «ربما» إزاي يعنى؟!. لا أعتقد أن أحدًا يقرأ ويكتب بالكاد، قد يكون لديه أدنى شك في أن أفكار وثوابت سيد قطب قبل ١٩٥٢ لها علاقة، أو أدنى علاقة بأفكاره، وثوابته بعدها!. لكنها «الميوعة» يا عزيزي «مليجي»، ولا تصفها بغير ذلك، تأدبًا، حتى وأنت تجد «المائع» يضيف: «وربما تعرض لمعاناة إنسانية رهيبة بين الاعتقالات والسجون، وانتهت المأساة بإعدامه مع رفيق مشواره عبدالقادر عودة، رحمة الله عليهما، في واحدة من أكبر مراحل الصراع بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين».



وغير سيد قطب، الذي صار على يد الأستاذ جويدة مفكرًا وناقدًا، اكتشفنا أيضًا أن الإرهابي التونسي «المنصف المرزوقي»، في ١٥ ديسمبر ٢٠١١، «مناضل سياسي كبير خاض معارك ضارية ضد الاستبداد في بلاده». وفى ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢ نعرف أنه قدم «نموذجًا للمثقف وصاحب الفكر حين يصبح مسئولا عن وطن وينسى كل انتماءاته القديمة». وبين الديسمبرين «مثنّى ديسمبر واستهبال باستهبال»، صال الأستاذ جويدة وجال، مرتديًا أحدث صيحات الموضة، وسبحان مغير الأحوال!.



في ٢٦ يونيو ٢٠١٢، شن هجومًا شرسًا على من وصفها بـ«النخبة المصرية»، لصالح الإخوان: «لا أعتقد أن هناك هجمة إعلامية شهدها الإعلام بكل وسائله مثل تلك الحملة التي شنتها النخبة المصرية على الإخوان المسلمين والتيارات الدينية، لا أعتقد أن هذه النخبة خاضت هذه الحملة ضد إسرائيل أو الصهيونية العالمية. كانت الحملة تشبه حملات النظام السابق ضد معارضيه في أواخر أيامه، بل إنها كانت أكثر شراسة وتجريحا وكانت النتيجة أن الإخوان المسلمين كانوا أكثر صمودا وأكثر التحاما بالمواطنين حتى جاءت ساعة الحصاد».



ومحمد مرسي العياط كان، في ٣ يوليو ٢٠١٧ «رئيسًا يسعى لإقامة دولة مدنية عصرية حديثة تلحق بدول العالم المتقدم».. و«مشروعه للنهضة سوف يكون تأكيدا لدور مصر الحضاري الذي قامت به عبر عصور التاريخ». وفى ٢٩ يونيو ٢٠١٢ «لابد أن نساعد الرئيس الجديد ونمد له أيدينا وان نوفر له المناخ المناسب لكي يعبر الوطن هذا النفق الصعب وهنا ينبغي وضع قواعد وقوانين تحمى حريات الأفراد وتضع نظاما واضحا للاعتصامات والتظاهرات بما يحمى حقوق الناس ويضمن سلامة المجتمع».



وفى ٩ يوليو ٢٠١٢ هاجم من يهاجمون مرسي العياط، لأن الإساءة ليست فقط «لرئيس الدولة المنتخب ولكنها إساءة للدولة المصرية بكامل مؤسساتها وإساءة لتجربة مصرية وليدة في الديمقراطية».. و«إذا كان الشعب المصري قد أسقط حكم الرئيس السابق فإن الواضح الآن أن الإعلام المصري يتحدى إرادة الشعب ويريد إعادة فلول العهد البائد ومواكب الفساد». وإن «القضية ليست الآن شخص د. محمد مرسي ولكنها قضية المنصب الرفيع في الدولة المصرية وتواطؤ الإعلام بكل فصائله ضد الشعب ومؤسسات الدولة».



كما دافع، في ١٥ يوليو ٢٠١٢ عن زواج الأخوان عرفيًا بالأمريكان: «الحوارات التي تجري على الفضائيات والصحف والمجلات تثير الكثير من الدهشة والتساؤل‏.. الليبراليون يشككون في المفاوضات التي تدور في كواليس السياسة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة من جانب والقوى الدولية خاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي من جانب آخر‏.. ولا أعتقد أن هذه المفاوضات تسيء لأحد لأن أمريكا تتفاوض مع كل القوى السياسية في العالم والليبراليون المصريون أنفسهم ظلوا لسنوات طويلة ومازالوا مجرد أدوات في يد القرار الأمريكي والقوى الغربية في المنطقة». و«كلنا يعلم أن دهاليز السياسة تسمح بكل الخطايا والأخطاء فلا داعي لأن نحرم على الآخرين ما نفعله ونقول حلال علينا وحرام على الإخوان لأن الفضيلة لا تتجزأ».



وبمجرد أن أعلن مصريون وطنيون عن اعتزامهم التظاهر ضد الإخوان، يوم ٢٤ أغسطس ٢٠١٢، سأل الأستاذ جويدة: «إذا سقط الإخوان فما هو البديل ولماذا لم ينجح هذا البديل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. وإذا تولى الليبراليون السلطة فماذا سيفعل الإخوان وإذا كان كل فريق يرفض الآخر بهذه الصورة فمن يتولى السلطة؟! لا بديل أمامنا غير الصراع أو الشراكة». ودعا، في المقال المنشور ١٧ أغسطس ٢٠١٢، «جميع القوى السياسية في مصر أن تراجع مواقفها وتعيد حساباتها وتدرك أن فشل الإخوان لن يكون نجاحا للآخرين»، محذرًا من «أننا جميعا سوف ندفع الثمن ولا يعقل أن نقف في ساحة الانتظار لنشاهد الضحية لأن هذه الضحية هي مصر التي لا تستحق منا كل هذا الجحود». ومضيفًا: «استطيع الآن أن أتوجه بحديثي إلى الرئيس محمد مرسي فقد تجمعت في يديه الآن كل خيوط سلطة القرار في مصر وهو يستطيع أن يواجه بحسم كل هذه الصراعات».



هل تتذكر ما كتبه عبدالمنعم أبوالفتوح الشهير بـ«تتّح»، قبل يومين، تعاطفًا ودفاعًا عن الإرهابيين منفذي الهجوم على سيارة الشرطة في «البدرشين»، الذين لقوا مصرعهم بعد اشتباكات مع الشرطة؟!.

«تتّح» زعم في «تغريدة» أن قتلهم «استمرار التصفية الجسدية للشباب المختفين قسريًا أو أثناء القبض عليهم بحجة حدوث اشتباكات»، مع أن مداهمة «الوكر» الذي كان يتحصّن فيه هؤلاء، سبقها رصد مكالمات تليفونية واعترافات من إرهابيين تم إلقاء القبض عليهم!. بما يعنى أن «المذكور»، قام عامدًا متعمدًا بكتابة حلقة في مسلسل تجميل الإرهاب وتقبيح محاربيه، وأن على «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف» أن يواجهه هو وأمثاله، تحديدًا هؤلاء الذين يترأسون أحزابًا تضم إرهابيين وتحاول منحهم غطاء شرعيًا.



تاريخ «أبوالفتوح» معروف للجميع، منذ كان قياديًا في تنظيم الإخوان الإرهابي، حتى غادره بجسده وترك قلبه فيه. وسيرته في نقابة الأطباء واتحاد الأطباء العرب، تقول إنه استغل الكيانين للتخديم على الجماعة الإرهابية وما خرج منها من كيانات إرهابية أيضًا. ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك، اختلق له الأستاذ جويدة «سيرة طيبة تسبقه في كل مكان».. ‏ ورأى «في شخصيته إشعاعا خاصا يحيطه بقدر كبير من الاحترام والمصداقية‏». وفى هوامشه التي يزعم أنها حرة، أضاف في ٢٧ فبراير ٢٠١٢، أن المذكور «هو الذي قاد تشكيلات الإخوان المسلمين بين طلاب الجامعات في السبعينيات وكان نموذجا إسلاميا مبهرا لهم». وأنه «مصري حتى النخاع.. عربي لآخر نقطة في دمه.. مسلم بكل ما يعنيه الإسلام والعقيدة من السماحة واليقين»!.



على هذه الصورة، يرى عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، إرهابيًا قديمًا، يدير حزبًا من ١١ سبق أن ألزم القضاء الإداري، في ١٢ سبتمبر ٢٠١٥، لجنة شئون الأحزاب بمراجعة موقفها القانوني، ومدى مخالفتها شروط التأسيس، المنصوص عليها في قانون الأحزاب السياسية، تمهيدًا لحلها وتجميد أنشطتها!. ولو سألتني عن نشاط حزب «مصر القوية»، فستضطرني إلى أن أجيب بـ«ما اعرفش»، لأنه على المستوى المرئي أو المنظور أو المعلن، لا يقوم بأي نشاط يُذكر أو يُرى بالعين المجردة!. الأمر الذي يجعلنا نتوقع أو نستنتج قيامه بأنشطة غير مرئية أو غير منظورة أو غير معلنة، كتلك التي من المفترض أن يواجهها «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف»!.



محزن جدًا ومؤسف طبعًا، أن تجد أشخاصًا «يتبرأون من جرائمهم في إفساد عقل هذا الشعب وإهدار ثقافته وتسطيح فكره إنهم يتهمون بعضهم وينكرون ويستنكرون ولاءهم القديم».. «رغم أن الأحداث قريبة والقضية لا تحتاج شيئا أكثر من مراجعة سريعة لأرشيف الصور لهؤلاء في كل الصحف والمجلات وشبكات النت.. وهناك أيضا ما كتبوه بأيديهم وما سجلته أوراقهم». ولا تعتقد أنني أصف، بما سبق، بعض أعضاء «المجلس»، فما بين التنصيص من مقال نشرته الأهرام، في ١٤ مارس ٢٠١٢، بصورة وتوقيع الأستاذ جويدة!.



..وأخيرًا، لن أنهي المقال بـ«.. ويبقى الشعر» مع عدة أبيات تم اصطيادها من «بحر المتقارب» أملًا في أن يرسلها طالب فاشل في دبلوم «الصنايع» لزميلته أو لـ«بنت الجيران». بل سأنهيه بأن أقول لك: ويبقى «البِلْي».. وهيا بنا نلهو ونلعب.. مع الإرهاب والتطرف!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف