الدستور
منى حلمى
ثقافة الاعتذار تهذبنا وترتقى بنا
ما أكثر الأشياء «البديهية» «الغائبة» فى مجتمعاتنا.. منها، مثلا، ثقافة «الاعتذار».. أنا أؤمن بأن الاعتذار من أرقى وأشيك الأزياء الواجب ارتداؤها فى جميع المواسم والفصول.. وأرى أنها «مأساة» حقيقية، حين يدرك الناس أخطاءهم، ولا يعتذرون..
أغلبنا يفهم الاعتذار على أنه ضعف، أو مذلة، أو عجز، مع أن العكس هو الصحيح، فالإنسان «القوى» «الواثق» بنفسه هو الذى حين يخطئ يبادر بتقديم الاعتذار.. والإنسان الذى يدرك أنه أخطأ، ولكنه يقول «لن أعتذر ولو على جثتى»، هو إنسان مغرور، مريض بالعظمة المزيفة والبطولة الوهمية.. أو بالعناد الأحمق.. أو بالتعالى الذى يحتاج الى الشفقة والعلاج النفسى.
إن التخلص من «العجز» عن الاعتذار أهم من التخلص من «العجز» الجنسى، للرجال، وأهم من التخلص من «التجاعيد» للنساء.
إن الاعتذار ليس فقط «حق» الطرف الآخر، لكنه أيضا، «حق» الإنسان على نفسه. فالاعتذار يهذبنا، يقوينا، يؤدبنا.. ويطور قدراتنا على المزيد من التفتح، والمرونة، وعدم التعصب.. وينمى فى نفوسنا رهافة العواطف ورقة التواضع.
ببساطة: الاعتذار إقرار واعتراف بأول و«أهم» «حق» للإنسان.. حقه فى أن يخطئ، وحقه أن يقبل الناس اعتذاره.
هناك بشر، نساء، ورجال، يعتقدون أنهم تحت كل الظروف الصعبة القاسية، أبدا لا يمكن أن يخطئوا، ما دامت عقولنا فى رءوسنا، فلا يمكن أن نخطئ.. ما دمنا ندرس بعناية كل الأشياء.. وبكل دقة نسجل جميع الاحتمالات، فمن أين إذن يجىء الخطأ؟ الأخطاء تحدث فقط لمنْ لا يجيد التنبؤ، ولمنْ خياله محدود، لا يذهب أبعد من قدميه. وأرد: «كان غيركم أشطر».
وأقول لهم أيضا: «مكنش حد غُلب». فالحياة ليست معادلة رياضية، وليست قانونا علميا، لابد أن تؤدى مقدماته المنطقية إلى نتائج منطقية حتمية.
فأجمل ما فى الحياة أنها تحتمل الصواب والخطأ.. الحتمى وغير المؤكد.. الأمان، والخطر.. المنطقى وغير المنطقى.. أمتع ما فى الحياة أنها لا تعصم أحدا من الخطأ. حياة ديمقراطية، تؤمن أن «الخطأ للجميع»، دون استثناء، حتى لو كان أذكى الأذكياء.
لولا «الأخطاء» ما كانت الحياة تتقدم خطوة واحدة.. وسواء الخطأ فى حق البشر، أو فى حق الطبيعة، أو فى حق الحياة، فإننا لا بد أن نقدم الاعتذار.
من بستان قصائدى:
راهنت على آلاف الأشياء...
لم يربح إلا حصان «الكلمات»...
راهنت على مليون رجل...
لم يربح إلا «منْ مات»...
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف