لم تكن اللَّقطات التى تمَّ بثها مؤخرًا للبطل المصرى سائق الدبابة الذى «عَجَن» سيارة الإرهابيين الأربعة فى سيناء بشجاعة، وأنقذ المنطقة من عملية إرهابية كبيرة- سوى نقطة تحوّل جديدة فى مسار تفكير الحرب على الإرهاب وعناصره الإجرامية وميليشياته التكفيرية.
صحيح أن اللَّقطة حازت على إعجاب الداخل وانبهاره بمثل ما صَارت حديث جميع وسائل الإعلام الأجنبية التى رأت فيها بطولة منقطعة النظير، ومنعطفا يعكس قدرة المقاتل المصرى على التصرَّف السَّريع بناء على خلفية تدريبية عالية، وإعداد نفسى مذهل، ولكن الأهم- من وجهة نظرى- هو هذا التطور اللافت فى المواجهة، والتعامل بمفهوم استباقى فائق الحساسية وشديد الصرامة والتنفيذ.
وهذا يعيدنى لما سبق أن قلته وناديت به مرارًا، وخاصة فى التعامل مع خلايا الإرهاب، التى اعتمدت نظرية الذئاب المنفردة التى تندسّ وسط الناس، أو على الطرق لتنفيذ مهامها الإجرامية، وبالتالى فإن التغير الملحوظ لم يكن مقصورا على قواتنا المسلحة فقط، ولكنه شَمل جهازى الأمن والشرطة ربما يكون بذات الشكل، فى مفهوم أدرك- ولو مؤخرًا- أنه كما الإرهاب ظرف استثنائى، فإن مواجهته يجب أن تكون استثنائية أيضا ومهما يكن الثمن، ومهما تكن النتائج. باختصار: أستطيع أن أقول ــ بحكم مراقبتى ومتابعتي أنه تم التخلِّى تماما عن سياسة التردد، أو مراعاة ما كان يتم التشدُّق به من حقوق إنسان.
بالتأكيد تكون فى الحالة الطبيعية، وليس فى مثل هذا الظرف الاستثنائى، لأن معناها الوحيد هو أن نراعى «حقوق الإرهاب».. والذى كانت نتيجته المأساوية استمرار هؤلاء المجرمين والإرهابيين فى السّجون، يأكلون ويشربون ويخضعون لمحاكمات معقدة لسنوات دون أحكامٍ ناجِزةٍ وسريعة تكون عِبرة لغيرهم. أعودُ للظرف الاستثنائى، والعقيدة الاستثنائية، لأجد أن النتائج الحتمية بالتأكيد، غيّرت مفعولها المعنوى فى نفوس المجموعات الإرهابية، فآثارها على الأرض تتضح بشدّة، وتنعكس على نفسية هذه الجماعات، وتضعها فى مأزق شديد وربما تصل بها إلى حافة اليأس، لأنها لن تحصد هذا «الشو» الإعلامى لها على الأقل، وتجد أن أعمالها بلا نتائج أولًا، ولن تنتهى بهم إلى الضبط أو الاعتقال، بل «العَجْن» والتسوية بالأرض، وهذه خسارة أخرى، كانوا يتمنون أن يكون لهم فيها مقابل أو ثمن. بالتالى، ومع إيمانى الشديد بأننا فى مرحلة تحجيم الإرهاب تمويلًا ونتيجة، فإن استمرار هذه العقيدة القتالية سيأتى بمفعوله على الأمد الطويل، وسينتهى بتقليم أظافر هذا الإرهاب، وهذا ما نشهده عبر كل الضربات الأمنية والمسلحة لشراذمهم التى تحاول التسلل عبر الحدود، أو تحاول تنفيذ عمليات استعراضية، ترضى المحرضين والممولين أولًا وقبل كل شىء.. مع الأخذ فى الاعتبار أن هؤلاء أيضا يتم التضييق عليهم وانحسار نفوذهم.
بإيجاز شديد: أرى أن هذه العقيدة الجديدة هى التى يجب أن تسود فى جميع المرافق، وتكون شعارا صارما، ينبغى اعتماده، ونحن فى مرحلة استعادة الدولة المصرية، ليس من الإرهاب فقط، ولكن من إرهاب الفساد والذمم، الذى لا يقل خطورة عن إرهاب الدم والموت.. ولتكن لقطة سائق الدبابة هى بوابة الشروع فى اجتثاث كل «السُّوس» الذى ينخر شرايين الحياة على هذه الأرض.. والسؤال فقط: متى، وكيف؟!