المصريون
احمد السيد على ابراهيم
محادثة الرجال للنساء بين الإفراط والتفريط
الحمد لله حمدا لا ينفد ، أفضل ما ينبغي أن يحمد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تعبد ، أما بعد ،،،

فقد خلق الله آدم عليه السلام ، وخلق منه حواء عليها السلام ليسكن إليها ، قال تعالى : { و هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ? } ( الأعراف : 189 ) ومنهما خلق الله الرجال والنساء ، وركب في كل منهما شهوات تهفو إليها نفوسهما ، قال الله تعالى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ } ( آل عمران : 14 ) وجعل الزواج نظام الناس العام ، وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل ، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ ، قال تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ( الروم : 21 ) ، ووضع ضوابط للتعامل بينهما إن كانا أجنبيين ، ومن هذه الضوابط ، ضوابط المحادثة ، التي لابد أن يراعيها الطرفان ، بغير إفراط أو تفريط ، وسوف نتعرض لحكم المحادثة بينهما وضوابطها في ضوء آيتين من آيات الله وردتا في سورة الأحزاب ، في قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } ( الأحزاب : 53 ) ، وقوله تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } ( الأحزاب 32 ) وذلك على النحو الآتى :

الوقفة الأولى : عموم الحكم :-

الخطاب في الآيتين ، وإن كان موجها لنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه يشمل كذلك نساء المؤمنين ، إذ أن كل خطاب لنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، خطاب لنساء المؤمنين ، مالم يأت دليل على الخصوصية ( أي إختصاصهن بالحكم ) ، وليس ثمة دليل على إختصاصهن بالأحكام الواردة بهاتين الآيتين ، فشمل الحكم نساء المؤمنين .

الوقفة الثانية : تفسير الآيتين :-

1- تفسير الآية الأولى :-

قال القرطبى – رحمه الله - في " تفسيره " : { الثامنة : قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر : وافقت ربي في أربع . . الحديث . وفيه : قلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ، فأنزل الله عز وجل وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب . واختلف في المتاع ، فقيل : ما يتمتع به من العواري . وقيل فتوى . وقيل صحف القرآن . والصواب أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا .

التاسعة : في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض ، أو مسألة يستفتين فيها ، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى ، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة ، بدنها وصوتها ، كما تقدم ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها .

... الحادية عشرة : قوله تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء ، وللنساء في أمر الرجال ، أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية . وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له ، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته . } أهـ .

2- تفسير الآية الثانية :-

قال محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – في " تفسيره " : { فرع على تفضيلهن وترفيع قدرهن إرشادهن إلى دقائق من الأخلاق قد تقع الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشعور بآثارها ، ولأنها ذرائع خفية نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهن في نفوس بعض ممن اشتملت عليه الأمة ، وفيها منافقوها .

وابتدئ من ذلك بالتحذير من هيئة الكلام فإن الناس متفاوتون في لينه ، والنساء في كلامهن رقة طبيعية وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته من هيئة التدلل لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة . فإذا بدا ذلك على بعض النساء ظن بعض من يشافهها من الرجال أنها تتحبب إليه ، فربما اجترأت نفسه على الطمع في المغازلة فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة ، بله أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - اللاتي هن أمهات المؤمنين . والخضوع : حقيقتة التذلل ، وأطلق هنا على الرقة لمشابهتها التذلل . والباء في قوله بالقول يجوز أن تكون للتعدية بمنزلة همزة التعدية ، أي لا تخضعن القول ، أي تجعلنه خاضعا ذليلا ، أي رقيقا متفككا . وموقع الباء هنا أحسن من موقع همزة التعدية ، لأن باء التعدية جاءت من باء المصاحبة على ما بينه المحققون من النحاة أن أصل قولك : ذهبت بزيد ، أنك ذهبت مصاحبا له فأنت أذهبته معك ، ثم تنوسي معنى المصاحبة في نحو : ذهب الله بنورهم ، فلما كان التفكك والتزيين للقول يتبع تفكك القائل أسند الخضوع إليهن في صورة ، وأفيدت التعدية بالباء . ويجوز أن تكون الباء بمعنى في ، أي لا يكن منكن لين في القول .

والنهي عن الخضوع بالقول إشارة إلى التحذير مما هو زائد على المعتاد في كلام النساء من الرقة وذلك ترخيم الصوت ، أي ليكن كلامكن جزلا .

والمرض : حقيقته اختلال نظام المزاج البدني من ضعف القوة ، وهو هنا مستعار لاختلال الوازع الديني مثل المنافقين ومن كان في أول الإيمان من الأعراب ممن لم ترسخ فيه أخلاق الإسلام ، وكذلك من تخلقوا بسوء الظن فيرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ، وقضية إفك المنافقين على عائشة - رضي الله عنها - شاهد لذلك . وتقدم في قوله تعالى في قلوبهم مرض في سورة البقرة . وانتصب يطمع في جواب النهي بعد الفاء لأن المنهي عنه سبب في هذا الطمع .

وحذف متعلق يطمع تنزها وتعظيما لشأن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قيام القرينة .

وعطف وقلن قولا معروفا على لا تخضعن بالقول بمنزلة الاحتراس لئلا يحسبن أن الله كلفهن بخفض أصواتهن كحديث السرار .

والقول : الكلام . والمعروف : هو الذي يألفه الناس بحسب العرف العام ، ويشمل القول المعروف هيئة الكلام وهي التي سيق لها المقام ، ويشمل مدلولاته أن لا ينتهرن من يكلمهن أو يسمعنه قولا بذيئا من باب : فليقل خيرا أو ليصمت . وبذلك تكون هذه الجملة بمنزلة التذييل . } أهـ .

الوقفة الثالثة : حكم صوت المرأة :-

قال الشيخ عبدالرحمن الجزيرى – رحمه الله – في " الفقه على المذاهب الأربعة " : { اختلف العلماء في صوت المرأة فقال بعضهم إنه ليس بعورة ، لأن نساء النبي كن يروين الأخبار للرجال ، وقال بعضهم إن صوتها عورة ، وهي منهية عن رفعه بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب ، إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها ، وقد قَالَ اللَّه تَعَالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } فقد نهى اللَّه تَعَالى عن استماع صوت خلخالها لأنه يدل على زينتها ، فحرمة رفع صوتها أولى من ذلك ، ولذلك كره الفقهاء أذان المرأة لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت ، والمرأة منهية عن ذلك . } أهـ .

والراجح أن صوتها ليس بعورة ، إذا أمنت الفتنة ، وهذا هو قول جمهور العلماء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

قال الطحاوي الحنفي – رحمه الله - في " حاشيته على المراقى " ، نقلا عن ابن أمير حاج ، قوله : { الأشبه أنه ليس بعورة ، وإنما يؤدي إلى الفتنة } أهـ .

وقال الشربيني الشافعي – رحمه الله – في " مغنى المحتاج " : { وصوت المرأة ليس بعورة ، ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة } أهـ .

وجاء في فقه العبادات للمالكية ، أن صوت المرأة جائزٌ سماعه عند أمن الفتنة ، وإنما يحرم سماعه إن خيفت الفتنة ، فقالوا : { ولكن يحرم سماع صوتها إن خيفت الفتنة ولو بتلاوة القرآن } أهـ .

وقال المرداوي الحنبلي – رحمه الله – في " الإنصاف " : { صوت الأجنبية ليس بعورة على الصحيح من المذهب } أهـ

وقال البهوتي – رحمه الله – في " منتهى الإرادات " : { وصوت الأجنبية ليس بعورة ، ويحرم تلذذٌ بسماعه أي صوت المرأة غير زوجة وسَرِيَّة ، ولو كان صوتها بقراءة ، لأنه يدعو إلى الفتنة بها } أهـ .

الوقفة الرابعة : جواز المحادثة للحاجة :-

كلام المرأة مع الرجل الأجنبي قد أجازه الفقهاء عند الحاجة ، ومن الحاجة : أن تباشر مع الرجل البيع والشراء وسائر المعاملات المالية الأخرى ، أو أن تسأل المرأة الرجل العالم عن مسألة شرعية ، أو أن يسألها الرجل ، إذا كانت عالمة بما يسألها ، وغير ذلك من الأمور الضرورية التي تستدعي كلام المرأة مع الرجل .

فقد جاء في حاشية الطحاوي الحنفي ، نقلا عن أبي العباس القرطبي ، ما نصه : { فإنا نجيز الكلام مع النساء للأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك ، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ، ولا تمطيطها ، ولا تليينها وتقطيعها ، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن ، وتحريك الشهوات منهن } أهـ .

وجاء في فقه العبادات للمالكية ، استدلالهم على الجواز ، بأن { نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ يكلمن الصحابة ، وكانوا يستمعون منهن أحكام الدين } أهـ .

وقد استدل الغزالي الشافعي – رحمه الله – في " إحياء علوم الدين " على جوازه عند الحاجة ، بقوله : { فلم تزل النساء في زمن الصحابة رضي الله عنهم يكلمن الرجال في السَّلام ، والاستفتاء ، والسؤال ، والمشاورة ، وغير ذلك } أهـ .

الوقفة الخامسة : ضوابط المحادثة :-

جاءت الشريعة الإسلامية الغراء كاملة من لدن ربنا عز وجل ، وسطا بين الإفراط والتفريط وعلى منهج بين الغلو والجفاء ، فجاءت باليسر والتيسير، ولم تأت بالشدة والتعسير ، فلا إرهاق في تكاليفها ، ولا إذلال لإتباعها ، ولا تضييق على معتنقيها ولا إعسار على المتمسكين بها ، بل هو التوسط والاعتدال ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }. ( البقرة : 143 ) ، وقد جاءت تكاليفُ الشرع وأوامر الله - سبحانه وتعالى - وسطًا بين طرفين مذمومين ، هما : الغلو والتساهل ، الإفراط والتفريط ، فقد ذكر العسكرى – رحمه الله في " كشف الخفاء " عن الأوزاعي أنه قال : { ما من أمرٍ أَمَر الله به ، إلا عارَضَه الشيطانُ بخَصْلَتين ، لا يُبَالِي أيَّهما أصاب : الغُلُو والتقصير } أهـ .

وقد تضمنت الآيتان أحكاما متوازنة في علاقة النساء بالرجال الأجانب ، فلم تمنع محادثة أحدهما للأخر فيما تدعو الحاجة إليه ، وإنما أمرت النساء بالقول المعروف ، وعدم الخضوع به حال الحديث معهم ، لئلا يؤدى ذلك إلى طمع الرجال فيهن . و يمكن تلخيص الضوابط التي يلزم مراعاتها عند الكلام بينهما ، كالتالي :

1- أن يكون الكلام لحاجة ، وتقدر الحاجة بقدرها ولا يجوز التوسع في الكلام والانبساط فيه لغير حاجة حقيقية .

2- أن لا يكون في الكلام خضوعٌ ، ولينٌ، وتكسيرٌ، وترقيقٌ، وإيماءٌ ، وهزلٌ ، حتى لا يكون مدخلاً إلى تحريك الغرائز وإثارة الشهوة .

3- أن يكون الكلام في المعروف ، أي في غير المحرمِ شرعاً .

4- أن لا يفضي الكلام إلى خلوة محرمة بينهما ، أو دوامٍ واستمرارٍ عليه .

الوقفة السادسة : بعض صور المحادثة ، وأحكامها :-

1- إلقاء السلام على النساء :-

لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة الأجنبية عنه إذا كانت عجوزاً ، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم يؤمن من الفتنة ، وهذا هو الذي تدل عليه أقوال العلماء رحمهم الله .

سُئِلَ الإمام مَالِك هَلْ : يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ ( وهي العجوز ) فَلا أَكْرَهُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلا أُحِبُّ ذَلِكَ .

وعلَّل الزرقاني في شرحه على الموطأ عدم محبة مالك لذلك : بخوف الفتنة بسماع ردها للسلام .

وفي الآداب الشرعية ذكر ابن مفلح أن ابن منصور قال للإمام أحمد : التسليم على النساء ؟ قال : إذا كانت عجوزاً فلا بأس به .

وقال صالح ( ابن الإمام أحمد ) : سألت أبي يُسَلَّمُ على المرأة ؟ قال : أما الكبيرة فلا بأس ، وأما الشابة فلا تستنطق . يعني لا يطلب منها أن تتكلم برد السلام .

وقال النووي – رحمه الله - في كتابه " الأذكار " : { قال أصحابنا : والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل ، وأما المرأة مع الرجل ، فإن كانت المرأة زوجته ، أو جاريته ، أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل ، فيستحب لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه . وإن كانت أجنبية ، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم الرجل عليها ، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ، ولم تسلم هي عليه ابتداء ، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كره له . وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل ، وعلى الرجل رد السلام عليها . وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل . أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يُخَفْ عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة . روى أبو داود عن أَسْمَاء ابْنَة يَزِيدَ قالت : مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا . صححه الألباني في صحيح أبي داود . وروى البخاري عن سَهْلٍ بن سعد قَالَ : كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ ( نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ ) فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ ( أي تطحن ) فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا } أهـ .

وقال الحافظ إبن حجر – رحمه - في " الفتح " عن جواز سلام الرجال على النساء ، والنساء على الرجال ، قال : { الْمُرَاد بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُون عِنْد أَمْن الْفِتْنَة . ونَقَل عن الْحَلِيمِيّ أنه قال : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنْ الْفِتْنَة ، فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسه بِالسَّلامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلا فَالصَّمْت أَسْلَم . ونَقَل عَنْ الْمُهَلَّب أنه قال : سَلَام الرِّجَال عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء عَلَى الرِّجَال جَائِز إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة } اهـ .

2- المحادثة عن طريق وسائل الإتصال الحديثة :-

مع التقدم الكبير في وسائل الاتصال تظهر كثير من الطرق التي لم تكن معهودة في ما مضى من إمكان محادثة الرجال والنساء بعضهم بعضاً ، ولم تزل هذه الطرق بمرورالأيام تتطور وتنتقل من طور إلى طور متقدم في تلك الإمكانيات ،

فوجد الهاتف المنزلى ، ثم الهاتف المحمول ، بأجياله المتعدده ، وما تحويه من إمكانية نقل صوت وصورة المتحدث

حتى وصلت إلى ما يُعرف بـ ( الشات ) و (غرف الدردشة ) عن طريق الإنترنت الذي تغري تكلفته الزهيدة بالانسياق في هذا الأمر .

وقد يكون في استخدام ( الشات ) سواء كان كتابة باليد أو تكلماً بالصوت بين أفراد الجنس الواحد أي بين رجل يخاطب رجلاً ، أو امرأة تخاطب امرأة ، نوع من التعارف الذي قد تترتب عليه بعض المصالح ، وهذا في دائرة المباح ، وإن كان هناك احتمال عدم صدق البيانات ، فقد يكتب بعض الناس بيانات مخالفة لبياناته الحقيقية ، وخاصة في خانة الجنس ليوقع الجنس الآخر في مخاطبته .

أما المخاطبة من أجل تحقيق مصلحة دنيوية كأن تخاطب امرأةٌ طبيباً مثلاً ، أو يخاطب رجل طبيبة للسؤال والاستفسار عما فيه مصلحة من ذلك ، فهذا لا حرج فيه ، ولكن ينبغي أن يكون الكلام من أجل ذلك الغرض حقاً ، وأن لا يسترسل أحد المتخاطبين في كلام خارج عن المطلوب ، حتى لو لم يكن فيه كلمات غير مناسبة .

وأما المخاطبة من أجل تحقيق مصلحة دينية كالاستفسار مثلاً عن تفسير آية أو حديث أو السؤال عن حكم فقهي فهو جائز أيضاً، إذا كان المسؤول ممن يقدر على ذلك ، وينبغي أيضاً الانتباه إلى عدم الاسترسال في الكلام الخارج عن موضوع السؤال حتى لو لم يكن فيه شيء ، والشيطان هنا قد يضحك على كل منهما فيمنيهما بأنهما صالحان طيبان وأنه لا خوف عليهما من الاسترسال في الكلام ، فهما ليسا بمنزلة الأشرار، وهذا من مخادعة الشيطان لهما . فليحذر المتخاطبون من هذا المنزلق الذي قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه !

الوقفة السابعة : بعض صور الإفراط والتفريط :-

1- صور الإفراط :

للأسف الشديد تفرط بعض النسوة الملتزمات ، في محادثتها للرجال الأجانب ، فإذا رن هاتف منزلها ، تراها ترفع سماعة الهاتف للرد على المتصل ، فإن تبين لها أنه رجل أجنبى يسأل عن زوجها ، أو أبيها ، أو أخيها ، لا تقوم بالرد عليه ، وتضع سماعة الهاتف ، وإذا دق جرس الباب وسمعت صوت رجل أجنبى لا ترد عليه ، وإذا سألها أجنبى في حاجة لا ترد عليه ، بدعوى خشيتها من الفتنة !!! بل تبالغ بعضهن بأخذ بعض الصبيان ، ليتكلموا مع الباعة بدلا منها فإذا سأل البائع سؤالا ، قامت بالرد عليه عن طريقه !!

2- صور التفريط :

والقول أن صوت المرأة ليس بعورة لا يعني بحال تساهل النساء في مخاطبة الرجال وتوسعهن بلا ضوابط ، بل الواجب عليهن التزام الشرع والتقيد بقيوده . وقد فرط كثير من النساء في هذا العصر فصرن يتحدثن مع الرجال الأجانب كما يتحدثن مع محارمهن من خضوع في القول ، وإطالة في الكلام ، وإخبار بالأمور الخاصة وضحك ونحوه ، بل إنتشر بين الفساق ما يعرف باسم الجنس عن طريق الهاتف !!!

فليتق الله الجميع ، وليلتزموا بالضوابط الشرعية للمحادثة ، وليعلموا أن الخير كله في إتباع الشرع ، والشر كله في عدم إلتزامه .

والله الموفق .

** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – الكاتب بمجلة التوحيد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف