عبد الرحمن فهمى
المقابر داخل المنازل .. لماذا هل ضاقت بنا الدنيا؟؟
بمناسبة دفن الشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوي في قبر خاص في منزله.. هناك ثلاث قصص قديمة مشهورة.
الصحفي والكاتب والقصصي المشهور الدكتور يوسف إدريس قبل ان يسافر إلي لندن لإجراء عملية جراحية في القلب غير مضمونة النتيجة.. بعد ان رفض زملاؤه في مصر اجراءها.. أقول قبل ان يسافر أوصي زوجته بدفن جثمانه في أحد أركان حديقة المنزل الواسعة وشراء مكتبة من الأسواق توضع فيها كل كتبه التي من تأليفه مع كل الكتب التي في مكتبته بالمنزل وشراء عدد من الكراسي الكبيرة المريحة "فوتيل" توضع حول المقبرة.. وبمجرد أن تم إعلان فشل العملية والكاتب الكبير أمامه أيام أو ساعات بدأت الزوجة إجراءات تنفيذ الوصية وما أن علم بذلك محافظ الجيزة حتي قرر وقف العملية فورا.. ولكن بعد أن كان قد تم هدم جزء من الحديقة وحفر جزء منها لبناء المقبرة!!!.. قام رئيس الحي بتعليمات من المحافظ أن يعيد كل شيء إلي ما كان.. غضبت وحزنت الزوجة والأولاد.. فقام المحافظ بزيارتهم في منزلهم.. وقال لهم بعد كل ما قيل هذه الأيام عن أن المدافن داخل المنازل خطر علي الصحة وعلي الجو والطبيعة.. والقانون يمنع ذلك لأسباب أخري كثيرة.
بعد أن قال المحافظ كل هذا الكلام المعروف.. قال للزوجة:
- هل تضمني بعد مرور السنوات أن أحد أبنائك أو أحفادك أو زوجات أبنائك يبيع هذه الحديقة الواسعة أو يستغلها بنفسه ويبني عمارة أو عمارتين؟؟!! وماذا سيبقي من الجثة بعد هذه السنوات الطوال ... و... و...
هنا جففت زوجة المرحوم يوسف إدريس دموعها.. وقالت للمحافظ: عندك حق.. مكان معروف بعيدا عن المساكن أهم كثيرا.
***
ثم هناك القصة الثانية المشهورة المنشورة في كل وسائل الإعلام منذ وقت قريب.. حكاية الأستاذ محمد حسنين هيكل.
قرر الأستاذ هيكل بناء مدفن للأسرة في قرية برقاش حيث يقيم.. بعد أن كان يسكن في شقة بعمارة ماجدة الصباحي بجوار شيراتون علي النيل.. ولما ترك الصحافة حول شقته إلي مكتب خاص واشتري فيللا بحديقة واسعة جدا في قرية برقاش.
ويبدو أن وجود حدائق واسعة جدا تغري ببناء مدافن.. ولكن أصدقاءه حذروه.. وكانت حكاية يوسف إدريس قريبة.. ولكن هيكل أصر باعتبار أن برقاش قرية بعيدة عن عمران المدن الكبيرة والبيوت في القرية متباعدة جدا ليس كالمدن فيها عمارات وبيوت متلاصقة مما يؤذي الجيران في حالة الدفن في البيوت.. وغير ذلك من مبررات لبناء المقبرة وما يقابلها من تحذيرات دينية وصحية ومنطق ونظرة بعيدة وغير ذلك.. ولم يتم بناء المقبرة.
***
الحكاية الثالثة أخذت وقتا طويلا.
كان حسن نشأت باشا سفير مصر في لندن صديقا شخصيا للملك فاروق وزوجته الشيك الجميلة من أقرب أصدقاء الملكة فريدة وأخوات الملك.. فجأة توفت الزوجة في لندن وجن جنون السفير زوجها واصطحبها إلي القاهرة وأصر علي أن يبني لها مقبرة في حديقة فيلته الأنيقة في شارع أحمد حشمت في الزمالك.. بل بدأ في بناء المقبرة وتم دفن الجثمان.. ولكن الأزهر اعترض.. وكانت مشكلة.. أصر الأزهر علي رأيه وأقنعوا الملك بخطأ دفن أي ميت في حي مليء بالسكان.. لدرجة أن صدر قرار بهدم المقبرة ونقل الجثمان إلي مقبرة أخري بعيدة.
كانت حالة نشأت باشا وانهياره التام تثير شفقة بل ودموع كل من حوله.. حتي الملك نفسه وأسرته وكل من يعرفونه.. وكان لابد من حل وسط.. تقرر هدم الفيللا وبناء مسجد يضم القبر.. وقد كان.. فقد كان من المستحيل إخراج الجثة من القبر في حضور الزوج السفير المنهار تماما.. كنا نصلي في هذا المسجد حينما كانت فيللا جدي الشيخ أحمد أبوالفتح في 5 شارع أحمد حشمت قبل مصادرتها وتحويلها إلي مدرسة!!!.. كان كل المصلين يدعون للسيدة المتوفاة وقوفا بجوار زوجها أمام المقبرة سنوات طويلة.