الأهرام
محمد مصطفى حافظ
القطن وأفراحه المنتظرة
وأنا بقلب بين القنوات الفضائية وأخبارها التي تدعو للأسف في أغلبها لافتقار المهنية و إصابة الروح المعنوية بافتقاد الأمل والأمان وتجاهل النقاط المضيئة في معركتي مواجهة الإرهاب والتنمية في كل ربوع الوطن ، وليس معني ذلك إغفال التحدث عن السلبيات لعلاجها ومحاسبة المقصر ، وسط ذلك الضجيج اللامنطقي إذ ينقذني الريموت كنترول بإطلالة أم كلثوم وأغنتيتها " أنشودة القطن" بمشاركة محمد قنديل وعدد من الأطفال في فيلم "عايدة " عام ١٩٤٢ بألحان محمد القصبجي والبهجة التي تنتاب الفلاحين بجمعه ، تذكرت أمجاد الذهب المصري للقطن طويل التيلة ومنتجاته التي كانت تبهر العالم .
تشير سطور التاريخ إلي أن خلال فترة حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كانت نقطة إنطلاقة للمنسوجات وكانت هدايتهم أفخر الثياب مع تمتع المرأة المصريّة بمهارة الحياكة والنسيج والتطريز فتم إنشاء "دار الطراز " وفي عهد محمد علي باشا أدرك قيمته لتنتشر زراعاته بالدلتا والصعيد ، ثم جاء رائد الصناعة طلعت حرب فأنشئ الشركة الأهليّة للغزل والنسيج، ومع حلول عام ١٩٢٧ بدأت الإنطلاقة بقيام شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى برأس مال ٣٠٠ ألف جنيه زاد ١٩٥٨ إلي ٤ ملايين جنيه، وبعد ثورة ٢٣ يوليو أستكمل جمال عبد الناصر مسيرته وبايراداته سددت مصر تكاليف إنشاء السد العالي ، حتي وصل زراعته في السبعينيات لمليوني فدان نتيجة إهمال الحكومات السابقة حتي وصلت المساحة المزروعة ٢١٧ ألف فدان وعدم تطوير صناعته نتيجة قرار الخصخصة فتعثر نحو ٢٦٠٠ مصنع في قطاع المنسوجات من إجمالي ٥٤٠٠ جميعها متعثر جزئياً أو كلياً، بجانب مشاكل البضائع المهربة من الخارج وافتقاد تحديث الاَلات والمصانع.

إلا أنه يحسب للحكومة الحالية ممثلة بوزارة التجارة والصناعة تبني صناعة الغزل والنسيج ضمن استراتيجيتها حتي ٢٠٢٠ لتحسين كفاءتها وقدرتها التنافسية وزيادة صادراتها، حيث تساهم بنسبة تصل إلى ٢٦.٤٪ من إجمالي الناتج الصناعي و صادرات وصلت إلى ٧ مليارات جنيه، ويعمل به نحو ٢٥٪ من إجمالي العمالة المحلية في نحو ٧ آلاف شركة تصل استثماراتها إلى ٥٠ مليار جنيه، مع إطلاق مبادرة وطنية "القطن من البذرة إلى الكسوة" لتطوير صناعة القطن وزيادة قيمته المضافة مع إنشاء ٤ مدن نسيجية بتخصيص مليون متر مربع بمدينة بدر و٧٥٠ ألف متر مربع في المحلة وكفر الدوار، فضلًا عن تأهيل العمالة المدربة وتطوير المناهج التعليمية بمدارس الكفاية الإنتاجية، و إجراءات لدعم وحماية وتسجيل علامة القطن المصري في مختلف دول العالم ، و بناء مجمعات غزل ونسيج بالاشتراك مع القطاع الخاص، والسماح باستيراد القطن قصير التيلة لتلبية الطلب المحلي، وتتبني وزارة الزراعة خطة طموحة لإعادة أمجاد الذهب الأبيض بزراعة نصف مليون فدان العام المقبل حتي مليوني فدان ٢٠٢٠ .

ولنري نجاح المبادرة وإستراتيجية التنمية الصناعية ٢٠٢٠ من تكامل وزارتي الصناعة والزراعة فمصر تزرع نحو ٤.٥ مليون قنطار سنوياً لا تستهلك سوي مليون قنطار فقط وتصدر مليون آخر مما يعني وجود فائض بنحو ٢.٥ مليون قنطار ، ويبلغ حجم الاستهلاك المحلي من قصير التيلة والمتوسط نحو ٥ ملايين قنطار يتم توفيره بالاستيراد مما يؤكد غياب التعقل في زراعة صنف طويل التيلة في مساحات لا نحتاج إليها في صناعة أصبحت تعتمد علي أصناف قصيرة التيلة وتمثل نحو ٩٨٪ من منتجات الأقطان في الوقت الحالي ، وضرورية عودة دوران المصانع المتعثرة والمتعطلة والإستفادة من تجارب الدول الناجحة في صناعة الغزل والنسيج كالهند .. عندها فقط نري القطن المصري يعود لامجاده وعرشه محصوله الذهبي أملا و سندًا لمزارعين وأسرهم بموعد عرس وسداد ديونا ، وعندها يعود التغني بقصيدة " القطن " للشاعر الراحل صلاح جاهين " يا معجباني يا أبيض يا معجباني، يا قطن يا اللي مبيض وش الغيطاني، ياقطن يا اللي مبيض وش فلاحك" .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف