يحاول كل طرف تفسير الأزمات التي نعاني منها في مصر والمنطقة العربية من خلال رؤيته وقناعاته الفكرية. فالبعض يري ان سبب أزماتنا وأزمات المنطقة هو الإسلام السياسي أو الإسلاموية. والبعض الآخر يري ان العقلية الاقصائية العربية ورغبة كل طرف في إزالة الطرف الآخر هي السبب. والبعض الثالث يري ان التبعية التي تعاني منها المنطقة العربية والتخلف السياسي والاقتصادي هو السبب والحقيقة ان جميع هذه الأسباب تقف وراء أزماتنا التي لا تنتهي لكن تبقي ظاهرة الإسلاموية مثيرة للانقسام في المنطقة فالبعض علي استعداد لأن يحارب من أجلها والبعض الآخر مستعد للقتال ضدها ويلعَ الغرب علي كل هذه التناقضات لابقاء المنطقة في حالة غليان. والإسلام غير الإسلاموية وان بقي هو مصدرها فالإسلام التقليدي هو الاركان الخمسة المعروفة التي يمارسها المسلمون في جميع أنحاء العالم.
أما الإسلاموية فهي الإسلام السياسي أو الحكم الديني أو الرغبة في تطبيق القوانين الإسلامية علي كل مناحي الحياة ولاشك ان الإسلاموية بهذا التعريف تضع المسلمين في صدام مع الآخرين أو في صدام مع بعضهم البعض.
وقد فرق الباحث الامريكي دانيال بايبس في دراسة بمجلة "فورن افيرز" بين الإسلام والإسلاموية علي شكل سؤالين الأول هل يتعارض الإسلام التقليدي مع الحضارة الغربية وكانت إجابته "بالتأكيد لا" فلا مانع ان تقوم الحضارة الغربية علي تعدد الأديان والثقافات بل ان الكاتب يقر بإمكانية لأن يتفهم المرء الجاذبية القوية والعميقة للإسلام الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار نسمة ونادراً ما يخرج المسلم من دينه إلي ديانة أخري.
ولكي يوضح بايبس فكرته يقول انه يريد بدلاً من ذلك أن يركز علي ما يسميه "تصادم الأفكار" والإيديولوجيات وهذا التصادم ظهر بوضوح عقب الفتوي التي أصدرها آية الله الخميني المرشد الراحل للثورة الإسلامية في إيران عام 1989 ضد سلمان رشدي صاحب رواية "آيات شيطانية" فقد رسمت هذه الفتوي خطوطاً فاصلة ليس فقط بين المسلمين والغربيين وانما بين مؤيديها والمتعاطفين معها من ناحية ومنتقديها والمعارضين لها من ناحية أخري.
ويري بايبس ان الإسلاموية هي ايديولوجية تطالب بالتمسك الكامل بالشريعة وترفض قدر ما تستطيع النفوذ والتأثير الخارجي مع بعض الاستثناءات مثل الوصول إلي التكنولوجيا العسكرية والطبية ومن رأيه أن الإسلاموية مصبوغة بعداء عميق تجاه غير المسلمين وبعداء خاص تجاه الغرب وتصل الإسلاموية إلي حد تحويل الإسلام كدين وحضارة إلي أيديولوجية أو عقيدة بهذا التوضيح يصل بايبس إلي السؤال الثاني وهو هل الإسلاموية تلائم الغرب؟ وهنا يجيب "بـ لا".
ولاشك ان بايبس محق في ذلك فالغرب العلماني المتقدم علمياً وسياسياً واقتصادياً يرفض الإسلاموية بمعني الإسلام الجهادي القائم علي ركنين هما التشريع والجهاد والذي يقسم العالم إلي دار سلام ودار حرب ودار عقد وهذا لا يلائم الغرب بل ان الغرب يقارن بين الإسلاموية والفاشية والقومية باعتبارها عقيدة يجب مقاومتها والباحثون يترجمون مصطلح الإسلاموية Islamism بالكلمة أي انها تنتهي بالحروف ism مثل كلمة فاشية Fascism أو قومية Nationalism ويبدو ان الغرب لديه عقدة من أي مصطلح سياسي ينتهي بالحروف ism الأمر الواقع الآن ان الإسلاموية أو الإسلام السياسي يقسم العالم العربي والإسلامي إلي مجموعتين من الدول. كل مجموعة تحاول الهيمنة علي المنطقة وكل مجموعة لها أهداف متضاربة عن الأخري.. المجموعة الأولي تقودها قوي إسلامية في تركيا وإيران وقطر ومعهم الإخوان المسلمين في مصر أما المجموعة الثانية فتقودها المملكة العربية السعودية والكويت والامارات وتدعمها مصر والأردن وتعتقد دول هذه المجموعة ان النموذج الإسلامي سيجر المنطقة إلي المزيد من التشرذم وان تطوير النظام السياسي العربي يتحقق بالتدريج فأي الطرفين يربح المعركة؟