المصرى اليوم
نيوتن
عن مراجعات عبدالناصر
عبدالناصر استلم دولة معتبرة. دولة على أعلى مستوى. بدستور محترم. ومجلس نواب يعبر عن الشعب، ومجلس شيوخ يسبب الرعب للملك. هذا الكلام ليس مفاجئا أو صادما. الصدمة الحقيقية والكبرى تلقاها عبدالناصر بعد النكسة. لم يتجنب الصدمة أو يهرب منها. واجهها. قدم نقدا ذاتيا لنفسه ولنظامه فى غاية القسوة. كان يبحث عن حلول، واقترح بعض الحلول، لكن لم يساعده أحد على تنفيذها. ربما حتى اليوم. من السهل أن ننتقد أى شخص، خاصة الرؤساء الذين مروا على مصر. لكن أفضّل أن يكون النقد فى سبيل الإصلاح وليس التجريح أو الهدم. كل رئيس له مميزاته وإخفاقاته.

جاءتنى رسالة ردا على المقالات التى تناولت فيها مراجعات عبدالناصر، وهذا نصها:

(عزيزى نيوتن..

جاء محضر اجتماع الاتحاد الاشتراكى يوم 4 أغسطس 67، أى بعد الهزيمة المهينة فى 5 يونيو 67 بشهرين، صادماً فاجعاً مؤلماً عجيباً غريباً.. لم يكن هذا المحضر معروفاً. لم أقرأه وأعلم به إلا بعد أن نشره نيوتن!

هل هذا هو عبدالناصر. الزعيم العربى القومى الذى كانت كلمة واحدة منه تؤدى إلى إسقاط وزارة فى لبنان أو سوريا أو العراق؟! عبدالناصر يقول أنا خائف! إحنا نستاهل ضرب الجزمة! مجلس الأمة كلام فاضى! زكريا محيى الدين يحتمى بالشرطة. والمشير عامر بالجيش وعلى صبرى بالاتحاد الاشتراكى! المشير عامر رجل مدنى غير عسكرى توقفت معلوماته فى يوليو 52! بكل هذه التركيبة حاربنا ديان ورابين وبارليف وهود وشارون؟! هذا يبرر أننا لم نُظهر كرامة عسكرية فى حروبنا أعوام 56. و60 (سوريا). و63 (اليمن). ومع ذلك استمر! المشير يقول لعبدالناصر عندما أراد زحزحته عن الجيش وجعله نائباً أول لرئيس الجمهورية: (أنت ترضاها لى)! يا ربى!

كلام كثير كثير يدفع إلى الجنون! لقد قرأت أعمدة نيوتن أكثر من عشر مرات سطراً سطراً وكلمة كلمة وأمضيت أياماً من العذاب والحيرة والدهشة والذهول! كيف أكره رجلاً علمنى بالمجان، ثم وظفنى حتى وصلت إلى درجة مدير عام! نسيت الإصلاح الزراعى وتأميم قناة السويس وبناء المصانع والوحدة مع سوريا وحرب اليمن والاحتفالات الهائلة والفخر والزهو والثقة. أغانى أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب. أمريكا تشرب من البحرين الأبيض والأحمر. لقد شاهدت ذلك كله بعينى وسمعته بأذنى.. كيف؟

هل من الممكن أن يكون عبدالناصر قال هذه العبارات وهو مهزوم مذهول مريض وأن هذه ليست طبيعته؟! ثم نأتى إلى السيستم وفساد السيستم الذى أدى لحروب، بصرف النظر عن الأشخاص. وضرورة مواجهة الذات ومعاقبة النفس والاعتراف بالخطايا وإصلاح الأخطاء! سيدى نيوتن، أنا لن أستطيع أبداً أن أكره رجلاً كان يحبنى. مع كل هذا كانت لديه الشجاعة والأمانة ليراجع كل هذه الخطايا.

محمد السيد رجب- مدير عام سابق- الإسكندرية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف