العدالة الناجزة لن تتحقق بتعديل قانون الإجراءات الجنائية فقط، بل يجب أن تمتد إلى قانون المرافعات قبل قانون الإجراءات، ونظن أننا لا يمكن تحقيق العدالة التى ننشدها سوى بإدخال تعديلات على مواد هذا القانون، لماذا؟، لأن هذا القانون هو الذى يفصل فى تعاملات المواطنين المالية والتجارية والسكنية وغيرها، وهذه الخلافات يتم تداولها لسنوات طويلة فى المحاكم، ربما تتجاوز العشرين سنة، وتقدر أعدادها بالملايين.
والمشكلة الأساسية فى قانون المرافعات يمكن تلخيصها فى أنه فى مجمله بدون عقوبات، يختلف مواطنان حول حيازة شقة، أو عدم الالتزام ببنود العقود التجارية أو السكنية، ويلجأ المتضرر إلى القضاء المدنى، ويتم تداول القضية، ويتم تأجيلها لأسباب مختلفة، وتحال فى الغالب بعد فترة طويلة إلى خبير، وتنتظر دورها فى مكتب الخبراء، سنة أو سنتين او ثلاث سنوات، ثم تعود إلى المحكمة، ويطعن الخصم فى قرار الخبير، وقد تحال إلى خبير آخر، وتنتظر دورها، وبعد سنة أو سنتين تعود إلى هيئة المحكمة، وتصدر المحكمة، ربما بعد سنوات طويلة، قرارها.
والطريف أن المواطن بعد كل هذه السنوات يمسك بقرار المحكمة ولا يعرف ماذا يفعل به، ولا يعرف كيف يقوم بتنفيذه؟، إذا كان القرار بفرض غرامة أو بتسديد مبالغ، المتضرر مطالب بأن يوفر لجهات التنفيذ عنوان الخصم، ومصادر ممتلكاته وحساباته بالبنوك؟، كيف؟، الله أعلم.
وإذا نجح فى تنفيذ هذا الشرط، عليه ان يذهب لجهات التنفيذ ويرابط بها لكى تخرج معه لتنفذ القرار، وكالعادة يصادف انشغال الجهات، وربما عدم اهتمامها، وربما تسويفها، وإذا نجح فى تنفيذ القرار بالحجز، فهو مطالب بأن ينتظر مبادرة الخصم بالتسديد أو بإيقاف الحجز، أو باستصدار قرار لبيع الممتلكات فى مزاد علنى، وموت يا حمار.
بعض القانونيين اقترحوا تعديلات لبعض مواد القانون، أغلبها يتناول المواد الخاصة بإعلان الخصم (المادة 6 وما بعدها)، ومواد التأجيل لأكثر من مرة (مواد 97، 98، 99)، ومواد حافظة المستندات (المادة 65)، وعدم صلاحية القضاة (146 : 165)، وقد طالب البعض بتفعيل المادة 64 الخاصة بمجالس الصلح، وذلك للتخفيف على المحاكم، والإسراع فى حل المشاكل.
بدون شك نتفق مع جميع الاقتراحات التى قدمت، لكننا نرى أن هذه الاقتراحات لن تعمل على إصدار أحكام بالسرعة التى يحتاجها المواطن، لذلك نقترح إعادة النظر فى جهاز الخبراء، وتحديد فترة زمنية لا تزيد على شهر للفحص وكتابة التقرير، ورفض أية دعوى حافظة مستنداتها غير مكتملة، وفرض غرامة مالية على المحامى الذى يقيم دعوى بحافظة مستندات ناقصة، ونقترح أيضا فرض عقوبة الحبس على الجانى فى حالة عدم التسديد أو الالتزام بقرار المحكمة، ونقترح كذلك أن ينص القانون على فترة زمنية لا تزيد على ستة أشهر لنظر القضية، وإصدار قرار بشكل نهائى قابل للتنفيذ، ونقترح أخيرا تعديل المواد المساعدة، وتغليظ العقوبات بها، مثل القوانين الخاصة بالإسكان، والعقود، وغيرها من القوانين التى تنظم العلاقة المالية والتجارية بين المواطنين.