فكرة الخلافة أصبحت فكرة ملفوظة تاريخياً، وغير مجدية فى الواقع، فالشعب لم يعد يقبلها، وليس أدل على ذلك من السخرية التى قوبل بها تصريح مرشد جماعة الإخوان حين قال بعد وصول الإخوان للحكم: «اقتربت دولة الخلافة وأستاذية العالم». جوهر معادلة سقوط الإخوان يرتبط بتصادم الجماعة مع ثقافة الشعب المؤمن بفكرة الدولة، الشعب الذى ثار فى يناير 2011 دفاعاً عن الدولة التى يريد مبارك تحويلها إلى «الملك العضوض»، يعنى الملك القائم على توريث الحكم، كانت الثورة دفاعاً عن فكرة الدولة المدنية التى تحكمها قيم المواطنة، وتستند فى إدارتها إلى مبدأ «الحقوق والواجبات، وحماية الكرامة الإنسانية». الشعب حاضر باستمرار فى أى ظرف تتهدد فيه الدولة المصرية. تلك حقيقة لا يستوعبها الكثيرون، بما فى ذلك بعض من يدعون إلى تثبيت دعائم الدولة. ويتعلق جوهر قلة الوعى لدى هؤلاء بما يسوقونه من أسباب وذرائع بهدف تجييش الشعب لصالح فكرة حماية الدولة.
الذريعة الأساسية التى يسوقها «دعاة حماية الدولة» تتمثل فى الإرهاب الذى تواجهه مصر منذ 2013 وحتى الآن. فاستناداً إلى العمليات الإرهابية التى تواجهها مصر يسود الواقع نوع من الهوس باتخاذ الكثير من الإجراءات الواقعية وغير الواقعية، تذرعاً بفكرة «حماية الدولة» من خطر الإرهاب. مصر تواجه إرهاباً غاشماً، هذه مسألة لا شك فيها، ومؤكد أنه يضر بمصالحها كل الإضرار، لكن الحديث عن أن الإرهاب هو سبب الهزة التى تعانيها مصر حالياً فيه قدر لا بأس به من التزيد. فرنسا على سبيل المثال تواجه خلال السنوات الأخيرة إرهاباً عاتياً، اتخذت فى مواجهته العديد من الإجراءات، ولم يجرؤ مسئول على الخروج أمام الفرنسيين ليحدثهم عن أن الإرهاب يوشك أن يعصف بالدولة. الإرهاب عرض من أعراض الفشل السياسى والثقافى، وليس سبباً لهز دولة. ذلك هو المدخل الذى يصح أن نتعامل به مع العمليات الإرهابية.
تعالَ بعد ذلك إلى ذريعة أخرى يتذرع بها «دعاة حماية الدولة» والتى تتمثل فى مسألة «استهداف الدولة المصرية». والسؤال: هل توجد دولة غير مستهدفة من غيرها؟. العالم الآن أصبح متشابكاً وكل الدول تستهدف بعضها البعض بأهداف وطرق مختلفة. راجع كم مرة استخدمت كلمة قطر فى خطابنا السياسى والإعلامى، راجع وستتأكد أن اسم هذه الدويلة التى لا تكاد ترى على الخريطة تكرر أكثر من غيره، فى سياق اتهامها بالسعى لزعزعة استقرار الدولة المصرية. لا شك أن قطر تكيد لنا وتؤذينا، لكن هل معنى ذلك أن تشيع تيمة «قطر تهز مصر» بهذه الطريقة؟. إن قطر نفسها دولة فاشلة، شأنها شأن دول الخليج، فكيف لدولة فاشلة بالأصالة أن تتمكن من إفشال دولة بحجم مصر؟. يميل البعض إلى قياس نجاح أو فشل الدولة بما تمتلكه من أموال، وكذا قياس نجاح أو فشل الأفراد، وهى فكرة موروثة عن نظام حكم لعب الدور الأكبر فى إفشال الدولة المصرية، وهو نظام حكم «مبارك»، فينظرون إلى دول الخليج ويعتبرونها دولاً ناجحة، ولا يبصرون كيف تضيع «فلوس الخليج» الآن فى «جيب الأمريكان». تلك النظرة القاصرة هى التى أدت طيلة العقود الماضية إلى استجلاب قيم وأفكار وأسلوب حياة ومذاهب «البدو» لندفن تحتها القيم الحضارية الأصيلة لهذا البلد.