صفوت البياض
الواقع والمصير للشرق الأوسط الكبير
لا شك أن العالم كله يتطلع إلى واقع الحال لمنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة.. ومصر التاريخ والحضارة بصفة أخص.. وبينما الكُل مشغول، بل مهموم بالجانب الأمنى، ثم لقمة العيش، والحياة الآدمية.. التى يبتغيها مواطنو هذه الأرض الطيبة، إذ تطفو على السطح أزمة المياه التى تفوق بكثير أى أزمات أخرى، ومنها الجانب الأمنى الذى يمكن أن يتوفر لدول المنطقة، إذا ما توحدت كلمتهم، والتحمت صفوفهم، وخلصت نواياهم، وراعوا الله الواحد فى ضمائرهم، من أجل حياة أولادهم وذويهم حتى نسابق الزمن فى تدبير وتوفير لقمة عيش وجرعة ماء، فالزمن يباغتنا وأعداد أبناء وبنات هذه المنطقة تتزايد مع حركة عقارب الساعة، والغالبية الأعم لا تدرى بمصير الأجيال القادمة، إذا ما حدث الانفجار السكانى أو الانفجار الديموغرافى، أى الزيادة الكبيرة فى أعداد السكان، بالمقارنة بالموارد المتاحة، وأهمها المياه مع أسباب الحياة الأخرى المتاحة، فالماء والغذاء أطلق عليهما «أسباب السعادة الحاملة للأرض».. وإذا ما راجعنا مصيرنا على أرضنا لأدركنا كيف سيُصبِح حالنا إذا ما تعرضنا لنقص فى المياه- شريان الحياة.
ومن أهم الأسباب المؤدية إلى تناقص المياه بصفة عامة، ومياه الشرب على وجه أخص، وقد ظهر على السطح- المناخ الذى يعم منطقتنا العربية وغير العربية، فمناخنا فى غالبيته قارى صحراوى وجاف، تصل الحرارة فيه غالبَ أيام السنة إلى ما فوق الأربعين درجة، وأما عن الأمطار، فهى شديدة الشح لا تتعدى بضعة سنتيمترات فى السنة كلها، باستثناء منطقة السودان الجنوبى، حيث تكثر الأمطار، وإن كانت نسبة التبخر أكثر لعامل الحرارة. أما إذا نظرنا إلى طبيعة الأراضى، فسنجد الامتداد الصحراوى والجبلى، حيث المساحات الشاسعة، فى حين أن المساحة الكلية للأرض التى تضمنا فى الشرق الأوسط تبلغ أربعة عشر مليون كيلومتر مربع، بما يعادل تسعة فى المائة من مساحة اليابسة على وجه الأرض المعروفة حتى يومنا هذا.. وإذا ما تطلعنا جغرافيا إلى نسبة مقدرات المياه المتجددة، فلا تتجاوز سبعة فى المائة من مياه العالم. وتضاف إلى الأزمة أزمة أخرى، وهى نوعية المياه المتوفرة من حيث درجة تلوثها فى العديد من مناطق الشرق الأوسط.
أما المياه المتجددة التى توفرها الأنهار والوديان خلال السنة، فيتأثر منسوبها بالتساقطات السنوية مضافا إليها المياه الجوفية التى يتم تغذيتها بمصادر مياه خارجية، مع معالجة مياه الصرف الصحى، حتى تصبح مقبولة المذاق وغير ضارة بصحة الإنسان. ومن أهم الدول التى تعتمد بنِسَب كبيرة على هذه المياه المعالجة والتى بلغ عددها ١٦٣ دولة، فى مقدمتها البرازيل، ثم روسيا وكندا والولايات المتحدة فإندونيسيا تليها الصين، ومن دول المنطقة تأتى تركيا رقم ٣٨، والسودان رقم ٥٣ والعراق رقم ٧١ ومصر رقم ٧٦ وسوريا ٩٩ ولبنان ١٤٥ وتونس ١٤٦ واليمن ١٤٨ والسعودية ١٥١ والإمارات ١٦٣ ثم الكويت ١٧١، ومن عوامل التهديد بمخاطر ندرة المياه ما يعرف «بالانفجار السكانى أو الديموغرافى» أى تزايد عدد السكان على الأرض بالمقارنة بالموارد المتاحة، وعلى رأسها المياه الصالحة للشرب، فالمياه كما أسلفنا هى روح وحياة البشر والحيوان والنبات، أو شريان الحياة مع أسباب الحياة الأخرى المتاحة. والمياه أهمها، فالماء والغذاء يطلق عليهما «مصادر الحياة وأسبابها مع الغذاء» ومعا يطلق عليهما «أسباب السعادة الكاملة للأرض»، أما مصادر المياه التى يطلق عليها مصادر سطحية فى الوطن العربى، فهى مياه أمطار وأنهار وسيول يفقد منها الجزء الأكبر بعامل التبخر، وهذا ما يحدث لنهر النيل شريان حياة كل المصريين.
ونهر النيل هو الأطول بين كل أنهار المنطقة، فغيره يصل طوله إلى أقل من تسعين كيلو مترا، بينما يبلغ طول نهر النيل ثمانمائة كيلومتر، وهو شريان حياة كل المصريين، والسؤال: هل علمنا أولادنا قيمة نهر النيل؟ ولمن يلقون مخلفاتهم فيه، هل يعلمون أن ما يلقونه سيعود عليهم وعلى أولادنا بالمرض القاتل؟ وهل راجعوا التاريخ المصرى القديم، وكم كانوا يحتفلون به لدرجة تقديم عروس النيل تكريما للنهر- مصدر الحياة، ذلك فى كل عام احتفالا بكم المياه المتدفقة التى دونها الموت؟
والسؤال: إذا كنا ندرك أن النيل مصدر حياتنا، فلماذا نلوثه بأيدينا؟ وإذا علمنا أن عدد السكان يتزايد بنِسَب تفوق نسبة زيادة مياه الحياة، فلماذا نهدره بأيدينا؟.. الواقع يقول إن الأزمة القادمة هى نقص كميات الماء، مقارنة بالزيادة السكانية، وقد نستطيع أن نشترى من الخارج بعضا من طعامنا وكساء لأجسادنا، لكن لا نستطيع شراء الماء لنا ولأولادنا، فالكل يسعى لسد احتياجه، ولن تفرط دولة فى كوب ماء لغير أولادها. ولمن لا يدرى إننا نحصل على نحو ستين فى المائة من احتياجاتنا المائية من خارج حدودنا الجغرافية، هذا فضلا عن المساحات الصحراوية، وهى أكبر من المساحة السكانية والمساحة الخضراء التى لا تتعدى عشرين بالمائة من مساحتها الكلية، فضلا عن شُح الأمطار للغاية وما يمكن الاستفادة منه لا يتعدى بضعة سنتيمترات.
وحتى لا نقضى وقتنا ومعه أعمارنا فى التوصيف المخيف والشح المدرك لكل مهموم بمستقبل أولادنا وأحفادنا، فقد ينقضى عمر جيلنا قبل أن تجف حلوقنا عطشا، ولكن ماذا عن الأبناء والأحفاد، إذا ما جفت حلوقهم أو قضوا نحبهم عطشا أو حربا باسم الحروب المائية؟ وقبل أن أضع القلم جانبا أقول ما هو دورنا لإنقاذ أجيال على وشك الخروج للحياة، فهل من تذكرة علاجية؟ فلنبدأ من اليوم لتعذر البداية من الأمس، لنضع مناهج تعليمية يدرسها أطفالنا عن قيمة المياه وخطورة شحها، يدرس هذا لأطفالنا، كما توضع عقوبات لمن يهدر الماء أو يلوثه، كما كان يفعل أجدادنا، وهم يرددون شعرا ونثرا وحمدا وتهليلا من أجل كوب الماء ونيل مصر- المنحة الربانية.
ونحن لا نملك منابعه، ويمر على شعوب قبلنا، وقد فكر بعض من شركائنا فى هذا المصدر المائى ببناء خزانات كبيرة لتخزين المياه من بداية منبعه، وستكون مفاتيح خزينة مصدر الحياة فى أيديهم، إن شاءوا أعطوا، وقد لا يعطون إلا النذر القليل الذى يفيض من حاجتهم، وهذا يقتضى معاهدات مكتوبة وشركاء من دول كبرى تشارك فى الاتفاق، بحيث لا يصبح ذريعة للشح أو المنح.
ولنعلم أطفالنا مقطوعات الغناء فى حب الماء حتى لا يهدر.
أما الجانب القانونى، فأرى ضرورة تشديد العقوبات لمن يهدر الماء أو يلوثه، مدركين أن ما بأيدينا اليوم هو مصدر حياتنا، إن شئنا حافظنا عليه نظيفا، دون إسراف أو إتلاف.
أما الدور الكبير، فهو لرجال الدين- كل دين، لتوعية شعوبهم بقيمة ما بأيديهم من مصدر الحياة، عليهم أن يحافظوا عليه نظيفا دون إهدار، فقد تهدر أموال وتعوض، أما إهدار الماء، فليس له دواء.