الدستور
أحمد بهاء الدين شعبان
هل تذكرون سد النهضة؟
فى غمرة انشغالنا بمآسى «لقمة العيش»، وملاحم تدبيرها، بعد موجات التعويم ورفع الدعم وجنون الأسعار، وبجرائم العصابات الإرهابية، التى أصبحت طقسًا نتجرع مرارته يوميًا، وانشغال النخبة الثقافية والسياسية بمعضلات الوضع السياسى، نكاد ننسى- إن لم يكن مقصودًا أن ننسى- الخطر الداهم الذى يوشك أن يصدمنا، كقطار مسرع، يدهم عابرًا «متوول»، يعبر قضبانه غافلًا، وهو لاهٍ عما ينتظره من مصير!

أما هذا الخطر، فهو خطر اقتراب مشروع «سد النهضة» الإثيوبى من لحظة الاكتمال، أى اقتراب لحظة مواجهتنا المصيرية لقسوة الحقيقة، حيث يجابهنا تهديد «الموت عطشًا»، إذا لم نتصرف بحكمة وسرعة، ونتقدم بعقل وخطوات محسوبة، لدرء هذا الخطر، ودفعه عن إلحاق الأذى الكبير بوجودنا ومصيرنا!
لقد أنذرنا وزير الإسكان د. مصطفى مدبولى، فى مارس الماضى، أن مصر دخلت «مرحلة الفقر المائى»، حيث تناقص نصيب الفرد من المياه حتى وصل إلى ٧٠٠ متر مكعب، سنويًا، بينما المعدلات العالمية ١٠٠٠ متر مكعب، واعتبر أن «تحلية مياه البحر» مسألة «أمن قومى»، موضحًا أن خطة التنمية العمرانية، التى تنفذها الدولة حاليا، تتضمن «اعتمادًا كليًا على تحلية مياه البحر فى المدن الساحلية الجديدة»، وهو كلام يُبطن اعترافًا مكشوفًا بالأزمة، وقبولًا ضمنيًا بالتسليم لمشيئة إثيوبيا، وكأنها قدر ماحق، لا رادّ له!

وقد نشرت جريدة «الشروق»، فى ١٩ يونيو الماضى، استنادًا إلى «مصادر إثيوبية مُطَّلعة»، أن إثيوبيا ستبدأ تخزين المياه فى بحيرة «سد النهضة» خلال شهر يوليو «المنصرم»، دون انتظار الانتهاء من الدراسات الفنية، التى تجريها الشركات الاستشارية الفرنسية لاختبار تأثيرات السد على معدلات تدفق المياه، من النيل الأزرق إلى بحيرة السد العالى، مع الإشارة إلى أن سعة بحيرة التخزين لسد النهضة تبلغ ٧٥ مليار متر مكعب، ما يعنى حرمان مصر والسودان من نحو ١٥ مليار متر مكعب سنويًا، والأدهى أن هذه المصادر ذكرت أنه قد تم إبلاغ مصر بهذه الخطوة، وقت زيارة وزير خارجية إثيوبيا، «ورنيه جيبهو»، لمصر، فى مارس الماضى.

وبالأمس القريب، أوضح وزير الإعلام السودانى، «أحمد بلال عثمان»، فى «المصرى اليوم»، ١٣ يوليو ٢٠١٧»، حجم الخطر بلا لف أو دوران، حين قال: «إن ملء خزان سد النهضة فى عام واحد سيؤدى إلى عدم مجىء أى قطرة ماء إلى مصر والسودان معًا، وأن مِلْئه فى ثلاث سنوات سيعانى من عواقبه ملايين العطشى. العدل أن يكون الملء فى فترة، من سبع إلى ثمانى سنوات».

ورغم ما تقدم، فلا رئيس الوزراء، أو وزير الموارد المائية، أو أى مسئول آخر طلع علينا ليصارحنا بحقيقة وضعية «سد النهضة»، وحجم الخطر المترتب على بدء ملء خزانه، وكيف سيتسنى لنا تلبية حاجتنا من مياه الشرب، وحاجات الزراعة، ومصير مشروع المليون ونصف المليون فدان، واحتياجات المدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية، من المياه... إلخ، ولم نرَ تدبيرًا حكيمًا يُتخذ لتغيير طرق الرى المسرف لأراضينا، وللحد من الإفراط فى استخدام المياه، فى بيوتنا، وشوارعنا، ومؤسساتنا، ومدارسنا، وجوامعنا، ومزارعنا!

إن أمرًا كهذا يمس حياة شعبنا، واستقرار شأنه، ووجوده ومستقبل أجياله لا يصح أن يتم التعامل معه بهذا الشكل من التكتُّم والسرِّية، فأهل الوطن كله شركاء فى تحمّل أعبائه الكارثية، ومن الخطير أن يُفاجأ المواطنون بالنتيجة، أيًا كانت، على نحو ما حدث فى موضوع جزيرتى «تيران وصنافير»، فيُضاف إلى محنة شُح المياه مهانة تجاهل الحكم لحق الشعب فى الوعى بما يمس مصيره من مشكلات وقضايا وخطط مواجهتها!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف