هل آن الأوان لأهلنا فى الصعيد أن يستبشروا خيرا بأن آمالهم المنسية عقودا طويلة سوف يبدأ تحقيقها؟ هذه الآمال ليست أحلاما وردية ولا طمعا فى رفاهية تعلو على مستوى الحياة الكريمة التى هى حق لكل مواطن.
كنت فى بلدى بقنا حينما لاحظت فرحة أهلنا بتشديد القيادة السياسية فى اجتماع حضره كبار المسئولين ومنهم رئيس الوزراء يوم 30 يوليو الماضي، استعرض خطوات إنشاء الهيئة العامة لتنمية جنوب الصعيد «التى تم الإعلان عنها ضمن توصيات المؤتمر الوطنى الثاني للشباب بأسوان فى يناير الماضى والتى تهدف الى توفير فرص عمل لأهالى الصعيد والارتقاء بالخدمات العامة والعناية بآثار النوبة، اهلنا تزايد شعورهم بالتفاؤل حينما قرأوا فى الصحف تشديد القيادة على سرعة الانتهاء من انشاء الهيئة لتسهم فى تحقيق التنمية الشاملة بجنوب مصر وتحسين أحوال أهالى الصعيد على كل المستويات».
توقع اهلنا فى الصعيد أن يعلن مسئول أو وزير فى اليوم التالى تفاصيل الجدول الزمنى لتنفيذ الهيئة والمشروعات التى سيتم تشييدها وعدد فرص العمل التى ستحققها، ولأن المسئول لم يفعل، فإنه كان من المتوقع ان يتصدى إعلامى لطرح اسئلة حول هذه التفاصيل. لأن على الإعلام مسئولية متابعة تنفيذ ما قيل، باعتباره سلطة رابعة، وتتزايد هذه المسئولية اليوم لأننا أمام تطور نوعى فى العلاقة بين الشعب والسلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، بسبب تزاوج ثورتى الاتصالات والمعلومات الذى أنجب سلطة خامسة هى صحافة المواطن المتمثلة فى وسائل التواصل الاجتماعي، لمراقبة أداء السلطات الأربع.
الجميع يعلم ان الصعيد لم يجد اهتماما حقيقيا على مدى العقود الماضية، كان نتيجته تدفق هجرات أبنائه إلى القاهرة ،لذا يتوقع جيل الإنترنت من الحكومة برنامجا قابلا للتنفيذ محدد المشروعات مع جداولها الزمنية، وعدد فرص العمل التى توفرها..
فقد عاش الصعيد حرمانا طويلا أسهم فيه غفلة نوابهم فى البرلمان وانشغال كثيرين منهم بمطالب فردية لأبناء الدوائر، فى غيبة مشروع حكومى قوى لتنمية محافظات الجنوب، فالصعيد الذى يشكل 60% من مساحة الوطن صابر منذ عقود طويلة على الفقر وغياب المشروعات التنموية بمعظم مدنه، فاضحى مصدرا لمواسم الهجرة إلى الشمال، ليس فقط بحثا عن العمل وإنما ايضا عن العلاج والاهتمام الفكرى والثقافي. ففى الجنوب لا يجد الكثيرون قوت يومهم وتغيب عن العديد من قرى الصعيد أبسط وسائل المعيشة ، كالماء الصالح للشرب والصرف الصحى والمستشفيات. وبعضها خالية من المدارس الابتدائية، والكثير من مدنه ليس بها مصنع واحد.
فى محافظة قنا - على سبيل المثال - معظم الأراضى مزروعة بالقصب ولا يوجد الا عدد قليل من مصانع السكر فى حين انه بالإمكان ان قيام صناعات كثيرة على مخلفات القصب كما يمكن الاستفادة من السكر فى انشاء صناعات غذائية اخرى، حتى مصانع العسل الاسود عفا عليها الزمن وتحتاج الى وسائل انتاج جديدة وطرق مبتكرة للتخزين والتوزيع والتسويق، ومن ثم فإن المجال مفتوح امام انشاء الكثير من المشاريع الصغيرة التى توفر لها الدولة قروضا ميسرة، وفى مركز نجع حمادى اكتفينا بانتاح الألومنيوم الخام منذ القرن الماضى بينما يمكن انشا العديد من الصناعات اعتمادا على هذا المعدن الذى اصبح يدخل فى عشرات الصناعات، ويوجد للمحافظة ظهير صحراوى كبير يمكن تعميره بالمصانع القائمة على هذه الخامات الأولية وانشاء مدن سكنية حولها لإنقاذ الرقعة الزراعية التى يلتهمها الزحف السكاني.
لايزال الصعيد ارضا بكرا للمستثمرين حيث توجد المواد الأولية والأيدى العاملة والسوق الكبيرة، وأمامنا فرصة لإعادة الاعتبار له والتكفير عن نسيانه.
بإهمالنا للصعيد نرتكب خطأ فى حق الموطنين الذين شاءت أقدارهم أن تحصرهم داخل واديه الضيق، وخطيئة فى حق الوطن الذى لم يعد يحتمل مسببات أخرى للاحتقان. ومن ثم نعول كثيرا على جعل الصعيد فى أولويات برنامج الحكومة وننتظر التنفيذ!.. أيها المسئولون لا تراهنوا على النسيان!