الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
السكان والتنمية
إذا كنا نؤمن إيماناً حقيقياً بدور العلم وأهميته. ودور التخطيط والدراسات المستقبلية في مجال التنمية. فإننا لا يمكن أن نطلق أحكاماً غير مبنية علي العلم والدراسة المتخصصة.
ونؤكد أن تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتصل بالقضايا السكانية يدخل في صميم تجديد وتصويب الخطاب الديني وتصحيح مساره. وهذا نبينا "صلي الله عليه وسلم" يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" "متفق عليه" فاشترط "صلي الله عليه وسلم" الباءة التي تشمل القدرة علي الإنفاق كشرط للزواج. ومن باب أولي فهي شرط للإنجاب. فما بالكم بالإنجاب المتعدد؟! ألم يقل النبي "صلي الله عليه وسلم": "كفي بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" وفي رواية "كفي بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".
ولطالما أكدنا أن الكثرة إما أن تكون كثرة قوية منتجة متقدمة يمكن أن نباهي بها الأمم في الدنيا. وأن يباهي نبينا "صلي الله عليه وسلم" بها الأمم يوم القيامة. فتكون كثرة نافعة مطلوبة. وإما أن تكون كثرة كغثاء السيل. عالة علي غيرها. جاهلة. متخلفة. في ذيل الأمم. فهي والعدم سواء.
هذا كله إضافة إلي حقوق الطفل التي يجب أن يتمتع بها طفولة وتربية وتعليماً. حتي أن الفقهاء اعتبروا أن الحمل الذي يحدث في وقت الإرضاع إنما هو جور علي حق الطفل الرضيع. بل جور علي حق كل من الرضيع والجنين. فسموا لبن الأم آنذاك لبن الغيلة. وكأن كلاً من الطفلين قد اغتال أو اقتطع جزءاً من حق أخيه. مما قد يعرض الطفلين الرضيع والجنين لمشاكل في النمو. قد تصاحبهما أو تصاحب أحدهما طوال حياته أو جزءاً منها. إضافة إلي المشكلات الأسرية التي قد تنتج عن تلاحق عمليتي الحمل والإرضاع. فالحمل والإرضاع المتتابعان قد يكون لهما أثر سلبي كبير في تدهور العلاقة داخل الأسرة بين الزوجين. وانعكاس سلبي علي حياة الأطفال وعدم القدرة علي الوفاء بحقوقهم.
وقد أجاز النبي "صلي الله عليه وسلم" لأصحابه العزل. وهو أحد وسائل تنظيم الأسرة. ويقاس عليه كل ما يستحدث من الوسائل الصحية الآمنة الميسرة.
كما نؤكد أن القدرة ليست هي القدرة المادية فقط إنما هي القدرة المادية والتربوية وما يشمل كل جوانب العناية والرعاية. وليست القدرة الفردية فقط. إنما هو قأمر يتجاوز قدرات الأفراد إلي إمكانات الدول في توفير الخدمات التي لا يمكن أن يوفرها آحاد الأفراد بأنفسهم لأنفسهم. ومن هنا كان حال وإمكانات الدول أحد أهم العوامل التي يجب أن توضع في الحسبان في كل جوانب العملية السكانية. فما استحق أن يولد من عاش لنفسه.
علي أن تناولنا للقضية يجب ألا يقتصر فقط علي الجوانب الاقتصادية إنما يجب أن يبرز إلي جانب هذه الآثار الاقتصادية كل الآثار الصحية والنفسية والأسرية والمجتمعية التي يمكن أن تنعكس علي حياة الأطفال والأبوين والأسرة كلها. ثم المجتمع. فالدولة. فالزيادة السكانية غير المنضبطة لا ينعكس أثرها علي الفرد أو الأسرة فحسب. إنما قد تشكل ضرراً بالغاً للدول التي لا تأخذ بأسباب العلم في معالجة قضاياها السكانية.
وأخيراً نؤكد أن موضوع تنظيم النسل والعملية الإنجابية قد لا يقف عند حدود الحل فحسب. إنما قد يتجاوز هذا الحل إلي حالة الضرورة التي لابد ولا مفر منها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف