المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
المثقفون.. ومحنة إسماعيل سراج الدين
لست ممن تعودوا التعليق على الأحكام القضائية.. ولكن الوضع هنا يرفض هذا السلوك.. لأننا أمام قضية أراها تهم كل المثقفين.. بل كل الوطنيين.. ونعرف أن من بيننا من يجيد تلفيق القضايا «وتستيف» الأوراق. «بل وحبك الشباك والشراك»، ونعلم أيضاً أن القضاء يتعامل مع الأوراق.. وربما تعفف الدكتور إسماعيل سراج الدين - هنا - عن أن يرد. أو ربما اعتقد أن القضاء سرعان ما يكتشف ما وراء هذه القضية.. وأن هدف الذين أقاموا الدعوى هو تدمير كل عظيم فى مصر.. وما علموا أنهم بذلك يدمرون الوطن نفسه.. قبل أن يطولوا عظيماً فى حجم هذا الرجل.. وعظمة ما قام به لتصبح هذه المكتبة هى «زهرة» الإسكندرية.. ومنارتها التى أنارت الثغر من جديد.. وأعادت الإسكندرية، بل مصر كلها، إلى صدارة المشهد الثقافى العالمى، وليس فقط فى البحر المتوسط.. وجعل من المكتبة شمساً تشرق على أوروبا- ولاحظوا اتجاه المكتبة على هيئة قرص الشمس التى تمد أوروبا بأشعة من نور - وهى بالفعل كذلك.. ثم حماها من غوغائية الذين أحرقوا المجمع العلمى المصرى.. وأبقاها لنا سليمة.. منارة عالية.

بل أضيف أننا تعودنا أن نحسن الإنشاء.. ثم نهمل المنشأة بعد ذلك بسبب سوء الإدارة. وسرعان ما تغطى تلال الأتربة المنشأة حتى تنزوى تحت جبال الإهمال.. إلا فى مكتبة الإسكندرية، فقد استطاع الدكتور إسماعيل - ومن اليوم الأول - وحتى قام بتسليمها لمن خلفه، منذ أيام، تماماً كما كانت عليه يوم الافتتاح.. وهذا يحدث فى مصر، لأول مرة فى حياتنا.

وأعترف بأن الحكم الذى صدر بحق الدكتور سراج الدين لم يهزنى وحدى.. بل هز كل مثقفى مصر وكل من يعمل فى خدمتها.. وهنا أجزم بأن الدعوى ضد الرجل هدفها الأول والأساسى هو تدمير كل الأمثلة العظيمة فى حياتنا.. حتى لا يجرؤ أحد على أن يعمل من أجل مصر.. وأن يجيد، فالهدف هو ضرب وتدمير كل الرموز العظيمة فى حياتنا. بل لا أستبعد أنها جزء من مخطط ضرب الوطن نفسه، حتى لا ينهض من جديد.

فهل أخطأ سراج الدين عندما ضحى بمنصبه الدولى كنائب لرئيس أكبر بنك دولى - هو البنك الدولى - ورأيت مرة هناك كيف يحترمون هذا الرجل القيمة.. وهل أخطأ الرجل عندما رفض - مرة - أن يكون وزيراً. ومرة أخرى أن يصبح رئيساً لوزراء مصر.. وفضل أن يبقى فى موقعه مديراً لمكتبة الإسكندرية. وماذا يقول عنا كل مثقفى العالم وكل رجالاته الكبار.. وهل هذا هو جزاء سنمار الذى تعودنا عليه، بكل أسف.

ولكن لأن الرجل لن ينحنى حتى أمام المحنة التى يحياها الآن.. فإن الدكتور مصطفى الفقى، المدير الثانى الجديد لمكتبة الإسكندرية، وهو من كبار مثقفى مصر، أخذ المبادرة وأصدر بياناً باسم المكتبة - فى اليوم الثانى لصدور الحكم - دون أن يستند إلى تاريخه ولا لعلاقته.. أعلن فيه احترامه واحترام المكتبة لقضاء مصر العريق وأنه لا يتدخل فى شؤونه ولا يعلق على أحكامه.. ولكنه - والمكتبة - تؤكد على القيمة العلمية والمكانة الأدبية للأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين الذى ارتبط اسمه بالمكتبة لأكثر من 15 عاماً، منذ إنشائها.. وتشييد المكتبة باسم الدكتور باعتباره شخصية دولية تحظى بالاحترام والتقدير فى الأوساط الأكاديمية والدوائر الثقافية. كما لا تنسى المكتبة جهوده فى مسيرتها منذ اليوم الأول لميلادها: أيقونة مصرية ومؤسسة عالمية على شاطئ البحر المتوسط.. وتتمنى للدكتور إسماعيل أن يجتاز محنته فى ظل عدالة القانون وثقة الوطن، ليظل خادماً للعلم والفكر والثقافة فى مصر الناهضة.

■ هنا يجب أن يتحرك كل مثقفى مصر، وقد فتح لهم الدكتور الفقى باب التعبير عن الوفاء للرجل الذى أعطى مصر وأعطانا، بل أطالب بحملة شعبية يقودها مثقفو مصر.. وانتفاضة تتحرك من أمام المكتبة بالإسكندرية ويخرج معهم أبناء الإسكندرية فى مظاهرة رافضة لما حدث.. فليس هكذا تكون نهاية العظماء.

■ أم يا ترى جزاء سنمار يطاردنا إلى الأبد.. تماماً كما تآمر كثيرون ضد طلعت حرب باشا وأجبروه على الانسحاب من بنك مصر حتى لا يتجرأ غيره أيضاً.

■ ويا كل مثقفى مصر اعترضوا، واخرجوا، فأنتم لا تدافعون عن رجل بل عن رمز عظيم فلا تدعوه بجتر أحزانه ويزداد ندماً على ما قدم للوطن نفسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف