التحرير
أحمد خير الدين
عودة أصغر طبيب في العالم
كان يعرف جمهوره المستهدف، ولذا لم يلتفت في أول الأمر إلى أطباء ثقات وأهل مرضى كشفوا زيف علمه، وفضحوا احترافه النصب، وحاولوا تحذير قطاع كبير من المرضى باتوا يتدفقون على عيادته وينتظرون ظهوره التليفزيوني المتكرر. ترك هو لجمهوره العريض مهمة الرد على الحاقدين على نجاحه المتزايد وعصاميته. ولأنه خبير في التعاطى مع هذا الجمهور ودغدغة مشاعره فقد احترف استخدام اللغة التي تلقى الاستجابة والإقبال، الكثير من عسل النحل في وصفة طبية، الإشارة إلى دراسة علمية غربية تقول إن الصلاة في الصباح الباكر علاج ناجع للكوليسترول وتصلب الشرايين. موعد لندوة طبية في النقابة مزينة بالكثير من الدعوة لاستثمار الوقت في الاستغفار والتسبيح. صفحته على فيسبوك مليئة بفيديوهات لأسماك طائرة من إبداع الخلاق العظيم. وأسألكم الدعاء في نهاية كل منشور ورسالة. خلق لنفسه صورة العالم الخجول الخلوق المتواضع. التعليقات على كل ظهور تليفزيوني تلتقط تماما ما يريده. يصمت ليتيح الفرصة لسماع تشبيهاته. يبسط المصطلحات، ويستخدم تعبيرات شعبية. يجامل المذيع الذي يستضيفه ويشيد بتحضيره الجيد للحلقات. علقت سيدة من متابعيه ذات مرة بأنها وثقت فيه بشدة حين رأته لا ينظر إلى وجه المذيعة التي تستضيفه. وهذا تحديدا ما جعل رائحة نصبه تزكم الأنوف، وقصص ضحاياه تنتشر أكثر. التفت عدد أكبر من الأطباء إلى عظم كارثته حين أفتى ذات مرة بأن جراحات القلب لا فائدة منها. شق صدر لا طائل منه غير الألم. نظرية ألقاها ليداعب بها آلاف المرضى الذين يكرهون أسرة الجراحة وسريان المخدر وشق المشارط في أجسادهم، ويريدون حلولا أخف ألمًا وأقل خطرًا. حتى وإن كانت في وصفات عطارة وأعشاب وتطمينات دجال. جاء الرد على هذا كله بتفنيد علمي ومعلومات طبية ومقالات وافية، لكن محبيه اعتبروا ذلك غيرة الأطباء الكبار من نجاح المعجزة الناشئة التي تهدد عرش عياداتهم. ارتفعت الأمواج على النصاب الشاب وحاصرته. أصدرت مؤسسة الدكتور مجدي يعقوب لأمراض القلب بيانا نفت فيه أن يكون له صفة أو علاقة بها، ونصحت المرضى بتوخي الحذر في هذا التخصص الحساس تحديدا، لأنه يستدعي دراسة طويلة ومعمقة، وأضافت أنها ستخاطب كل المؤسسات الطبية والزملاء لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات نقابية وقانونية حيال من يتاجر بآلام المرضى. كانت الضربة قوية وحاسمة وصارت الفضيحة أكبر من تجاهلها فقرر أن يغير استراتيجيته التي يتبعها منذ سطع نجمه على الساحة. كتابة حزينة يشكو فيها حصاره والتربص به. ويعتذر فيها عما ارتكب من أخطاء، لكنه يتهم كذلك الإعلام والمغرضين بالضيق بنجاحه وإنجازه، وتلفيق وادعاء ما لم يقله عن نفسه لتدمير مشواره. نفى ما لم ينفه قبل ذلك. لست مساعدا لمجدي يعقوب ولا أصغر جراح في مصر. أنا ممارس عام "مهتم" بأمراض القلب.

أول طبيب "يهوى" جراحة القلب في تاريخ المهنة لكنه تجاهل عمدًا القائمة الطويلة من الزمالات في بطاقته الخاصة، وفي روشتة المرضى. الممارس العام مواليد عام 1984 يقول إنه: زميل جراحات القلب بجامعة أكسفورد، وجامعة جلاسكو، والمستشفى الملكي بلندن، وعضو الجمعية الطبية الأمريكية. "نقيب من وأنا في أولى ثانوي" منذ عام 20122 بُحَّت أصوات الأطباء والصحفيين تحذيرًا منه دون أن تنتهي قصته. انحنى للعاصفة.. اختفى وعاد. اعتذر وأخفى صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي. تدخلت هيئة التأديب في نقابة الأطباء، وصدر حكم غيابي بإيقافه عن مزاولة المهنة لمدة سنة في الثالث من يوليو عام 2014، عارضه هو لكن تم تأييد القرار مرة أخرى مطلع هذا العام. لكن المفاجأة أن حكايته مستمرة.. عادت صفحته هذه الأيام لتنشط مجددا، أدعية وتهانٍ، إعادة نشر نصائح ومقاطع فيديو قديمة، لأن القنوات عزفت عن استضافته. حاولت التأكد من أن هذا ليس سوى تمهيد إلكتروني فقط بحثًا عن عودة قريبة. اتصلت على رقم الهاتف الذي كان يظهر مصاحبا لاسمه على شاشات القنوات التي أطل علينا منها فاكتشفت أن عيادته تعمل هذه الأيام بشكل عادي تماما. رد هو على الهاتف بعد محاولتين. طلبت تحديد موعد فتركني أنتظر، بينما يرتب موعد استشارة أخرى ويصف دواء لمريض بنفس نبرة الصوت الواثقة، وأدائه التليفزيوني.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف