مدبولي عثمان
استجداء مقعد بالمدارس التجريبية..!!
في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي كانت توجد ظاهرة سنوية محمودة تتمثل في مرور عمال المدارس علي منازل الأطفال الذين بلغ عمرهم 6 سنوات "سن التعليم الإلزامي" لتسليم أولياء الأمور خطابا بضرورة إرسال ابنائهم إلي المدرسة في بداية العام الدراسي. وتهديدهم بالغرامة إذا تخلفوا كانت تتضح هذه الظاهرة أكثر في القري وفي الأحياء الشعبية في المدن. وأعرف العشرات من الأطباء والمهندسين والمعلمين والعلماء والأدباء الذين حرص آباؤهم علي إرسالهم الي المدارس خوفا من الغرامة وليس للتعليم.
في تلك الأيام كانت الحكومات حريصة علي التعليم أكثر من الأهالي. وحصد المجتمع ثمار الاهتمام بالتعليم في تحقيق تنمية شاملة جعلتنا نعتمد علي أنفسنا. فقد كنا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع. ولم تكن مصر مدينة لأحد. وتشير الإحصائيات الموثقة إلي أن مصر حققت في عام 1965 فائضاً في الميزان التجاري يقدر بحوالي 46 مليون جنيه وحققت نسبة تنميه عالية تقدر بـ8% أما الحصاد الأهم والذي يؤكد أن التعليم ركيزة للأمن القومي أن المجندين من خريجي الجامعات والمؤهلات المتوسطة تحملوا العبء الأكبر في إزالة آثار هزيمة 1967 وتحقيق انتصار أكتوبر عام 1973 لاستيعابهم استخدام الأسلحة المتطورة خاصة منظومة الصواريخ ونظام الاتصالات والحروب الألكترونية.
وهنا تحضرني مقولة شيمون بيريز أحد الزعماء التاريخيين لدولة العدو الصهيوني ونصها: "إذا كانت الدول القريبة تملك الثروات الطبيعية والبترولية فإننا نستطيع أن نحسم الصراع لصالحنا عن طريق التعليم. وإتاحة التعليم الجامعي لكل فتي وفتاة في إسرائيل".
حاليا انعكست الأوضاع وأهملت الحكومات منظومة التعليم. بينما زاد اهتمام الأهالي. وكشف أكثر من إستطلاع للرأي أن الانفاق علي التعليم يحتل أولويات الأسر المصرية. ويقدر بحوالي 70% من دخل غالبية الأسر ويقدمونه عن الأكل والعلاج. وسمعت بأذني أكثر من أم تقول "المهم تدبير مصاريف الدراسة حتي لو حنموت من الجوع".
هذا الاهتمام الكبير من جانب الأهالي يقابله استهتار وإهمال متعمد من جانب الحكومات والقيادات المتعاقبة. والإحصائيات تفضح الأداء الحكومي. يقول الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي إن نصيب الطالب من ميزانية التعليم بمصر لا يتعدي الـ300 جنيه سنويا وهي لا تكفي لشراء مقعد. ويعترف الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم السابق قائلا: "يلتحق لدينا سنوياً مليون و700 ألف بالصف الأول الابتدائي. مؤكداً أن الزيادة السكانية 2 مليون و700 ألف. وبالتالي هناك مليون تلميذ بالشارع".
وفي مثل هذا التوقيت من كل عام يستجدي أولياء الأمور مكانا لطفلهم. ويوجه لي شخصيا بشكل يومي تساؤل "متعرفش حد مسئول بالمدارس التجريبية". فطوابير الالتحاق بها طويل جدا رغم أنها بمصروفات تبلغ 10 أضعاف المدارس العادية. فهل من مخرج لتلك الأزمة التي تتكرر سنويا؟!