لقد توقفت كثيراً عند المعادل الموضوعي الذي أجعله عنواناً لهذا المقال. ودار بخلدي عناوين كثيرة. منها: قراءة في وثيقة الأوقاف الوطنية. ومنها: وثيقة الأوقاف وكسر الحواجز النفسية. لكني حاولت أن أتجرد بعض الشيء. وأن أنظر إلي الحدث من خارج الإطار. وأن أنظر من محور هام وهو تلك اللحمة الوطنية الفكرية الثقافية التي تمثلت لأول مرة في جلوس هذه النخبة من رجال الدين من أمثال: فضيلة المفتي أ.د شوقي علام. ورئيس جامعة الأزهر الشريف أ.د عبدالحي عزب. ونخبة مميزة من هيئة كبار العلماء. وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية. ورجال السياسة من أمثال: الأستاذ عمرو موسي.ود مصطفي الفقي. ورجال الإعلام من أمثال: أ: جلاء جاب الله. أ: أسامة كمال. ورجال الفن من أمثال: أ: محمد صبحي. ورجال التعليم والقانون من أمثال: أ.د جابر نصار. أ.د جعفر عبدالسلام. أ.د عبدالله المغازي. ورجال الثقافة من أمثال: أ: حلمي النمنم. و أ. محمد عفيفي. إضافة إلي بعض السادة الوزراء كوزير الشباب والرياضة م: خالد عبدالعزيز ووزير الثقافة د. خالد النبوي. في لحمة فكرية وثقافية وعلمية ودينية ووطنية غير مسبوقة. ولعل أهم ما يميزها وما لفت نظري فيها هو كسر حاجز "هم. ونحن" كتعبير ساد لعقود للتعبير عن واقع الانقسام بين علماء الدين وغيرهم من المثقفين والأدباء والمبدعين لنلتقي جميعاً علي مائدة واحدة هي مائدة الوطنية الخالصة. وربما كان للمقال الذي كتبه الأستاذ: فهمي عنبه تحت عنوان: "عقول مستنيرة.. للخطاب الديني" وللنقاش الذي دار بيني وبينه عقب قراءتي لهذا المقال الوطني الواعي أثر كبير في تحديد عنوان هذا المقال.
وإذا أردنا أن ننظر في الوثيقة الوطنية التي صدرت عن منتدي السماحة والوسطية بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف لمناقشة "بحث آليات تجديد الخطاب الديني" نجد أنها ركزت تركيزاً واضحاً وعن وعي وقصد تأمين علي ما يدعم هذا الالتقاء. وهذه اللحمة الفكرية والوطنية. ويؤكد أننا يجب أن ننطلق من منطلقات وطنية مشتركة. ومن ذلك نذكر من بنود هذه الوثيقة.
1- ضرورة تبني خطاب ثقافي وفكري يدعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الحديثة. ويرسخ مفاهيم الولاء الوطني في مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية الدولية التي لا تؤمن بوطن ولا دولة وطنية. وإنما تبحث عن خلافة أو سلطة مزعومة أو متوهمة لا تخدم مصالح دولنا. بل تعمل علي هدمها لصالح قوي الاستعمار الجديد التي توظف هذه التنظيمات وتدعمها مادياً ومعنوياً.
2- تعاون المؤسسات الدينية. والعلمية. والتعليمية. والثقافية. والفنية. والإعلامية. في إنتاج خطاب عقلي. وعلمي. وثقافي. وديني. وتربوي. ووطني. يتناسب مع ظروف العصر وحجم التحديات. يحافظ علي الثوابت الشرعية والأخلاقية والقيمية للمجتمع. ويضع حلولاً واضحة ومناسبة تتسم بالمرونة والواقعية لكل ما يواجه المجتمع من مشكلات أو تحديات. مع إعادة النظر في مكونات المناهج الدينية في جميع مراحل التعليم بما يتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته.
3- بناء مناهج التربية الدينية علي معايير ومؤشرات تعزز الفهم الصحيح للدين. وتصحيح المفاهيم الخاطئة. وترسيخ الاتجاهات الايجابية. وتعظيم دور المؤسسات التعليمية في المجتمع. وتحول الطلاب والتلاميذ من نطاق التبعية والحفظ والتقليد والتلقين إلي مستويات جادة من الوعي والتفكير والإبداع. والقدرة علي التمييز والتمحيص والنقد.
4- تنظيم دورات وندوات ومحاضرات دينية وثقافية دورية بالتعاون بين المؤسسات والوزارات والهيئات المعنية بالشأن الديني والفكري والثقافي في كل ربوع الوطن. حتي نستطيع الوصول إلي كل شرائح المجتمع في مساجدهم. ومدارسهم. وقصور الثقافة. ومراكز الشباب. والتجمعات العمالية. والقري والنجوع. مع التركيز الشديد علي العشوائيات والمناطق الأكثر فقراً. حتي لا تتخطف أبناءها يد التشدد والإرهاب. علي أن يعود للمسجد في هذه المناطق دوره الاجتماعي ليسد الطريق أمام المتاجرين بالدين ومن يوظفونه لأغراضهم السياسية والانتخابية.
5- حشد طاقة المجتمع كله لمحو الفكر المتطرف والمتفلت علي حد سواء. ودعم قضايا العمل والانتاج والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والقضاء علي البطالة. بما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته.
6- الإفادة القصوي من وسائل الإعلام المختلفة. وتوظيف بعض الأعمال الفنية والإبداعية لنشر القيم النبيلة. وإنتاج أعمال تدعم القيم الأخلاقية والإنسانية الراقية. وبخاصة في مجال ثقافة الطفل.
7- أن تكون مبادئ الأخلاق والقيم الوطنية موضع اهتمام في جميع المراحل التعليمية والمنتديات التربوية والثقافية والتثقيفية.
ومن جهتنا سنبذل أقصي طاقتنا لمتابعة هذه التوصيات وتحويلها إلي واقع معاش في حياتنا. لنواجه معاً الإرهاب والتحديات المعاصرة من جهة. ونرسخ أسس العيش المشترك والتنوع وقبول الآخر والقدرة علي التعايش معه واحترامه وتقديره من جهة أخري.