منذ أيام ومواقع التواصل الاجتماعى يتحدث روادها عن المذيعة التى خلعت الحجاب.. التراشق مستمر بين المؤيد والمعارض، ولكن اللافت للنظر ليس المؤيدون لأنهم يرون أنها حرية شخصية، ولكنهم المعارضون فقد رشقوا المذيعة بسيل من الشتائم والاتهامات والبذاءات، ووصل الأمر إلى الدعوة لمقاطعة القناة، ومن يتابع ما حدث ويقرأ الآراء والتعليقات يشعر بالذعر والخوف والقلق على مستقبل هذا البلد، الذى كان فيما مضى من الزمان قلعة للحرية، فقد أصبح حال المصريين سيئًا لدرجة أنهم ينهشون بعضهم البعض لمجرد اختلاف الآراء، أصبحوا لا يحترمون الآخر على الإطلاق، وكأنهم قد أصبحوا يتعاملون مع أنفسهم على أنهم قطيع، ومن يخرج عن هذا القطيع وجب نهشه، رغم أن فكرة القطيع كانت محل سخرية المصريين من الإخوان عندما وصفوا أعضاء ومريدى الجماعة بـ«الخرفان».
فقد كان الإخوان محل سخرية، لأنهم بالفعل يتحركون بمنطق القطيع، دون أن يفكروا أو يعقلوا الأمور أو حتى يسألوا، ولكن للأسف تظهر بعض المواقف، مثل خلع المذيعة للحجاب أن فريقًا كبيرًا من المصريين قد أصبح أيضًا لديه نفسية ومنطق القطيع، الهجوم على المذيعة كان صادمًا ما يكشف عورات فى هذا المجتمع، الذى أصبح متطرفًا ومتعصبًا لآرائه، دون تفكير أو حتى طرح التساؤلات، وكأن من هاجمها قد أخذ توكيلًا من الله سبحانه وتعالى لمحاسبتها بدلًا منه.
ولكن فى الحقيقة فإن المجتمع ليس وحده مسئولًا عن هذا التطرف، بل الأنظمة والحكومات المتعاقبة شريكة أيضًا فى ذلك، من أول الرئيس المؤمن «محمد أنور السادات»، وحتى أكشاك الفتوى فى محطات المترو، مرورًا بمبارك والمجلس العسكرى وطبعًا فترة الإخوان، وحتى الحكومة الحالية التى تقترب بشدة من التيار السلفى، لدرجة تجرؤهم بعد فترة طويلة من الاختباء بعد ثورة ٣٠ يونيو وعزل الإخوان، فقد عادوا من جديد للانتشار فى المواصلات العامة والزوايا والمساجد يحدثون الناس عن الحلال والحرام، الكفر والإيمان، والجنة والنار، وكالعادة للنساء النصيب الأكبر من التركيز من حيث أختى المؤمنة الحجاب قبل الحساب.
وأيضًا «الأزهر» الذى يسهم فى تطرف عقلية المصريين بشكل كبير، بل إن له نصيب الأسد بمنتهى الوضوح، والذى ينشر الآن ما يُسمى وعاظ المقاهى، وهو الأمر الذى بدأ فى محافظة الإسكندرية منذ شهور، بنزول مشايخ شباب يدخلون المقاهى، ويتحدثون إلى الناس، ويلقون الخطب بدعوى محاربة الفكر الإرهابى، وكأن الفكر الإرهابى لن يحاربه الأدب والفن والثقافة بل انتشار الشيوخ فى المقاهى، وكأن الدعوة ليس مكانها المساجد والجوامع بل أصبحت الآن المقاهى!
وتطور الأمر إلى إنشاء أكشاك للفتوى داخل محطات المترو، ليدخل الناس على الشيوخ يسألونهم أسئلة من نوعية «ما حكم الذى يشرب الخمر يا مولانا؟» أو «ماذا عن المرأة السافرة التى لم ترتدِ الحجاب؟» أو «هل المسيحيون يدخلون الجنة وهل يوجد مسيحى شهيد؟» وماذا ننتظر هنا من مولانا، ماذا سينطق وكيف هى إجابته وفتواه؟ طبعًا شارب الخمر عاصى، والمرأة غير المحجبة تترك فرض الله، والمسيحيون «والله يا بنى علمهم عند ربنا بابتسامة خبيثة»، وطبعا أنا متفائلة جدًا، وأنا أتصور هذه الإجابة، فقد يحدث الأسوأ الذى نعرفه جميعًا، والإجابة المنتظرة من مولانا الذى يجلس ويفتى، فيخرج من كشك الفتوى من يقتل العاصى شارب الخمر أو بائعها، مثل الرجل الذى ذبح صاحب محل الخمور فى الإسكندرية، ومن يحرض زوجته على ضرب وقص شعر النساء غير المحجبات، كما حدث فى المترو منذ فترة، ومن يطرد المسيحيين ويحرق منازلهم، كما حدث ويحدث كثيرًا.
كنت أتمنى أن تنشر الحكومة مكتبات للقراءة والاطلاع داخل محطات المترو، وأكشاكًا للموسيقى وأكشاكًا للإسعافات الأولية، يوجد بداخلها أطباء وممرضات، كنت أتصور أن الحكومة لديها وعى بأهمية تثقيف المجتمع وتشجيعه على القراءة لتنظيف عقله، وتهذيب روحه بالموسيقى، ونفعه بالأطباء بدلًا من أذيته بشيوخ الفتوى.. كم التفرقة أصلًا بين عنصرى الأمة فى قرار أكشاك الفتوى لا يمكن أن يتصوره عاقل ووطنى يخشى على وطنه من الفتنة.
ولا أعرف كيف وافق المسئولون على ذلك، كم فى مصر من منغصات لسنا فى حاجة إليها الآن، ولا فى أى وقت، ولكن مصر فى الوقت الحالى تمر بفترة حرجة للغاية، حيث التعامل والقرارات يجب أن تكون بحرص شديد وبعد تفكير متوازن وتحليل وتوقع نتائج وتداعيات كل قرار، فنحن لسنا فى وقت القرارات العشوائية، فليس لها مكان فى بلد به حرب تدور على جماعات دينية متشددة تقتل باسم الرب وتكفر حسب هواها. من يقرأ التعليقات، ويستمع إلى المكالمات التى جاءت على الهواء للمذيعة يدرك جيدًا أننا وطن فى محنة، ويحزن من أجل الحال الذى وصل إليه المصريون.