انتهت امتحانات الشهادة الإعدادية في معظم المحافظات ومن قبلها امتحانات الشهادة الابتدائية.. ومارس واضعوا الامتحانات ساديتهم في تعذيب واهانة الممتحنين الصغار في معظم المواد بمباركة من وزارة التربية والتعليم التي لم تعترض أو تحتج أو تحاسب أو حتي تراجع.
لدينا وزارة للتربية والتعليم.. هذه هي الحقيقة التي لا يشعر بها أحد.. فلا شيء يتغير في نظامنا التعليمي ولا جديد تحت الشمس ولا فوقها.. وما حدث في امتحانات الإعدادية بالقاهرة يستوجب انهاء خدمات كل المسئولين عن التعليم في المحافظة وتوجيه الشكر لهم علي كل ما اقترفوه في حق الأبناء.. ولنبدأ بالمهزلة الكبري في نظامنا التعليمي الذي اعتقد أن كثيرين من قياداتنا التربوية لا تعرف شيئا عنه.. امتحان الرسم الذي يعد مخالفة دستورية صريحة تخل بتكافؤ الفرص وتمنح الموهوب في الرسم امتيازا علي الموهوبين في كل الفنون الأخري.
في امتحان الرسم مارس واضع الامتحان كل فنون التهريج ومن حقه ان يفعل ذلك مادامت الوزارة تصر علي اعتبار الرسم هو الفن الوحيد المحترم والمعترف به والمقدم علي الموسيقي والمواهب الرياضية وفنون الإلقاء والخطابة وغيرها.. طلب الامتحان من الطلاب رسم مدينة تحت الإنشاء.. وليس في الأمر نكتة.. مدينة تحت الإنشاء.. واجزم أن عشرات الملايين من المصريين لم يشاهدوا علي الطبيعة مدينة تحت الإنشاء وان أكثر التشكيليين موهبة ربما يجد نفسه عاجزا عن رسم اللودارات وآلات الحفر وخلاطات الأسمنت وغيرها من مستلزمات إنشاء مدينة.. وبدون أي تنبيه للطلاب بضرورة اصطحاب كل أدوات التشكيل طلب الممتحن العبقري رسم طائر وتلوينه بالورق الملون أو ما يعرف بورق القص واللزق.. هذا قليل من كثير في امتحان التهريج الفني.. فهل حقا وزير التربية والتعليم عاجز عن اتخاذ قرار بإلغاء امتحانات الرسم في الإعدادية حتي يتم وضع آلية لتقويم كل المواهب الفنية والرياضية؟.
وفي تراثنا التعليمي كل الطلاب فشلة وكل الشكاوي من الامتحانات تعني ان الطالب لم يذاكر ولم يجتهد ولم يسهر الليالي لذلك لم التفت كثيرا إلي شكاوي الطلاب من صعوبة بعض الامتحانات باعتبارهم متهمين دائمين بالاهمال.. وأثرت استطلاع آراء المدرسين أنفسهم.. أحد المدرسين وصف امتحان العلوم بالتهريج.. مؤكدا أن مجرد النظر إلي أربع ورقات ممتلئة عن آخرها بأربعين سؤالا كفيل بإصابة الطالب بالاحباط والاضطراب.. قال إن المشكلة ليست في مستوي أو درجة صعوبة الامتحان ولكن في المبالغة في عدد الاسئلة بشكل محبط للطالب.. موجه لغة عربية قال إن بعض أسئلة النحو اختلف المدرسون أنفسهم في الإجابة عليها فما بالنا بالطلاب الصغار.. وأن الامتحان كان صعبا وطويلا ومرهقا.. مدرس رياضيات قال إن من دخل امتحان الجبر كان صعبا بشكل مبالغ فيه.
ما الهدف من الامتحانات يا خبراء التربية وأساتذة التعليم.. هل هو إضافة تجربة سيئة أخري إلي تجارب الطلاب مع الدارسة والمناهج والمدارس والمدرسين؟.. ألا يكفي ما في المناهج من حشو شديد الغباء.. ألا يكفي أن نلزم طفلا صغيرا بحفظ مئات التواريخ والحقائق الجغرافية التي لا تضيف له أي قيمة أو مهارة حياتية كما يحدث في مناهج الدراسات الاجتماعية المشبوهة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.. ألا يكفي إلزام طفل في الابتدائي بمعرفة تفاصيل لا يعرفها الكبار عن حياة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها مثل أزواجها قبل أن تتزوج من رسولنا الكريم وأسماء أبنائها من هؤلاء الأزواج.. ألا يكفي إلزام طالب الإعدادية بحفظ خطوط العرض والطول وأسماء الأنهار ومواقع إنتاج الخامات في معظم دول العالم بالإضافة إلي تاريخ مصر من أيام قدماء المصريين حتي ثورة الثلاثين من يونيو.
المشهد الذي تكرر أمام معظم المدارس في نهاية امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية يلخص حالة السخط والضجر التي يعاني منها أبناؤنا والكراهية للتعليم والمعلمين والمناهج والوزارة وربما الدولة كلها.. مشاهد الحرق الجماعي للكتب أمام المدراس.. مشاهد تحدث وتتكرر وليس لها سوي معني واحد هو أن نظامنا التعليمي فاشل بامتياز.