سينما مسرح "الهناجر" بدار الأوبرا بأرض المعارض سابقا، تقدم فى الثالثة بعد ظهر كل يوم جمعة بالمجان فيلمًا كارتونيًّا مدبلجًا بالعامية المصرية، من إنتاج شركة والت ديزنى العالمية، صنعته مواهب مصرية لها وزنها وقيمتها. صاحب الفكرة هو المخرج أشرف فايق مدير سينما الهناجر التابعة لصندوق التنمية الثقافية، وهى فكرة جاءت فى وقتها تمامًا لترد على هجمة شرسة تستهدف الثقافة المصرية بكل مكوناتها الثرية القادرة على تقديم أعمال فنية تخرج من المحلية وترقى إلى العالمية. الغريب أن هجوم الفضائيات العربية على الأعمال الدرامية التى تقدم بالعامية المصرية، القريبة فى ذوقها وطزاجتها ومواكبتها للمفردات الثقافية العربية التى تتغير كل لحظة أمام أعيننا على أرض الواقع، يأتى من أناس يكاد واقعهم اليومى يتحول تماما إلى استخدام لغة أنجلو أمريكية، تتزاوج مع لهجاتهم المحلية لتنتج هجينًا مشوهًا لا يمكن مقارنته بالعامية المصرية العبقرية التى يعشقها أبناء الوطن العربى، ويعتبرونها امتدادًا لثقافتهم الأم. الأسد الملك، وتيمون وبومبة، وشركة المرعبين، والبحث عن نيمو، ومولان، وهرقل، وأحدب نوتردام، وحياة حشرة، وغيرها من أفلام مدبلجة بمهارة وحرفية عالية، أسهمت فى تشكيل وعى أطفالنا، فى جميع بلادنا العربية، وارتقت بأذواقهم وإحساسهم بالكوميديا فى واقع لا يزال ينظر للفنون التى تقدم للطفل من زاوية تعليمية وعظية ثقيلة الظل، تجاوزتها الأعمال التى تقدم للكبار والصغار معًا فى مختلف ثقافات العالم الأول. عندما انطلقت منذ عامين على وجه التقريب، حملة "ديزنى لازم ترجع مصرى" على صفحات التواصل الاجتماعى، كان أكثر ما أسعدنى أن الغالبية العظمى من الشباب الذين يتولون أمر التنسيق لفاعلياتها سعوديون وكويتيون وليبيون، يشعرون بأهمية الثقافة المصرية العربية التى شكلت وجدانهم، وأسهمت فى تنمية أذواقهم، وإحساسهم بالفكاهة على مدى سنوات طفولتهم.
متى يفهم البعض أن الثقافة اليومية المصرية لا تمثل غزوًا لواقعهم المحلى بقدر ما تمثل تعبيرًا أصيلاً عن مزاج تستسيغه وتعشقه شعوبنا العربية باختيارها ولم يفرضه عليهم أحد؟ صوت "الهناجر" الذى يعلو فى محاولة جادة لإنصاف الثقافة الشعبية المصرية، يتواكب للأسف مع طعنات "الخناجر" المسمومة التى يشرعها مصريون لا همَّ لهم سوى إسقاط الفنون، وتكفير المفكرين، ومعاداة التراث الأصيل، والوقوف باستماتة فى وجه التطور. تجربة تمصير حوار أفلام ديزنى العالمية يفخر بها كل من شاركوا فيها، وأنا واحد منهم، لإسعاد أطفالنا الناطقين بالعربية، وإمتاعهم بكوميديا تم نقلها بسلاسة إلى ثقافتهم من ثقافة غريبة عنهم يراد لهم الانتماء إليها لفرنجة أذواقهم. وهناك فارق كبير بالطبع بين فهم ثقافات العصر وتعلمها والاستمتاع بها إلى جوار ثقافتك الأم، ومسخ الأرواح وتغريب الضمائر. تحية للهناجر ولأشرف فايق ولكل من يحاولون إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.