الأخبار
يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن
في الأسبوع الماضي قمت بجولتي التي تعودت عليها منذ سنوات في وسط القاهرة. يسمونها وسط البلد. دخلت إحدي المكتبات لأجد مذكرات شقيق مؤسس القصة القصيرة في العالم أنطون تشيكوف. اشتريته دون سؤال. هذه الجوانب الإنسانية في حياة الكُتَّاب الكبار مهم أن نعرفها. عند التعرف علي الكتاب اكتشفت أنه منشور في دار نشر سورية. ذهلت، واستغربت، ودُهشت، وأُعجبت. فهذه البلاد التي تمر بحرب منذ سنوات ما زالت تجد الوقت لكي تترجم كتاباً وتنشره وتصدره وأشتريه من قلب القاهرة.
أنتمي لجيل أبناء الحلم القومي. لذلك أنظر لتراجعات حياتنا وكأنها نبتت من الإنفصال الذي قضي علي الوحدة الوليدة بين مصر وسوريا. كانت هناك أخطاء في التنفيذ. وسلوكيات بشرية أدت لهذا. لكن المبدأ يستحق أن نقاتل من أجله الباقي من أعمارنا. فالقرن العشرين قرن الكيانات الكبري. والعرب ومن قبلهم المسلمون كيانات أكبر من كل الكيانات الموجودة في العالم. لكن يبدو أن سياسة الإستعمار البريطاني عندما جاء إلينا في منتصف القرن التاسع عشر: فرِّق تسُد. ما زالت القاعدة التي يتعاملون معنا بها.
يدمي قلبي كثيراً ما جري لسوريا والعراق واليمن وليبيا. وأغضب بلا حدود عندما يصفون ما جري بأنه عرضٌ من أعراض الربيع العربي. أو أنه أحد توابع هذا الربيع. أكمل ست سنوات من عمره وما زلنا نتعاون معه بطريقة شديدة البدائية بعيدة عن التفكير التاريخي الذي يربط المسببات بالنتائج.
سأترك لغيري أن يكتب عما فعله الأشقاء السوريون عندنا في مصر. لا أحب أن أثير نعرات قطرية عند البعض. لكن عندما تنظر لمحلاتهم وما يقدمونه من بضائع ورخص سعرها، وإتقان عملها، وطريقة عرضها، ستقول لنفسك: هذا شعب تعلم كيف يجيد صنع الحياة الناتج عن حب الحياة واعتبار الحياة أكبر هدية لنا من خالق الكون، ولا بد من الحفاظ عليها.
من الأخبار السورية المفرحة، توقفت أمامها طويلاً ما حملته وكالات الأنباء مؤخراً عن افتتاح معرض الكتاب التاسع والعشرين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، والمعرض يستمر حتي 12 من الشهر الجاري وتشارك فيه 150 دار نشر من بينها 40 دار نشر عربية من مصر ولبنان والعراق والسعودية وفلسطين والاردن إضافة إلي إيران والدانمارك وروسيا.
وقالت المثقفة الكبيرة والصديقة العزيزة نائب الرئيس السوري السيدة نجاح العطار خلال حضورها الافتتاح للصحفيين إن »سوريا علي وشك تسجيل الانتصار الكامل ومن معالم هذا الانتصار افتتاح معرض الكتاب اليوم وأننا الآن في هذه الفعالية نشهد كيف استمرت مطابعنا تصدر أجمل الكتب وأصدقها وأكثرها قدرة علي تعليم المواطنين وتثقيف الناشئة وإعطاء الحياة وجهها المضيء وكان رائعا أن يزداد عدد دور البلدان المشاركة في هذا المعرض ما يبعث علي مشاعر الاعتزاز والفخر»‬.
ودعت العطار المواطنين إلي زيارة المعرض وتقديم هذا الغذاء الروحي لأبنائهم ولا سيما أن الكتب ستباع بخصم كبير، موجهة التحية للكتاب والمبدعين والعلماء الذين استمروا بتأدية دورهم في التأليف والكتابة ولدور النشر التي تؤدي دورها في نشر هذه الكتب.
ومن الأخبار المفرحة الآتية من دمشق أن الهيئة العامة السورية للكتاب شاركت بأكثر من 175 عنوانا جديدا صدر هذا العام ويشارك اتحاد الكتاب العرب بأكثر من 63 عنوانا جديداً.
تبقي مشاركة مصر. ومن الأخبار المتداولة أن دور النشر المصرية شاركت عبر وكلاء توزيع لها داخل سوريا. وأنه يقف في المقدمة منها الدار المصرية اللبنانية التي شاركت بأكبر عدد من الكتب. لكن المعرض والمشاركة المصرية يثير تساؤلاً لابد منه: أين المشاركة المصرية ذات الطابع الرسمي؟ أقصد دور النشر المملوكة للدولة. مشاركتها كانت ستعد مشاركة الشعب المصري والدولة المصرية. وهذا لا يقلل أبداً من جهد وعناء دور نشر الخاصة التي شاركت.
ومن سوريا إلي اليمن. رأيت في نشرات الأخبار العالمية ولم أر هذا في تليفزيوناتنا المصرية والعربية للأسف الشديد أن الأشقاء اليمنيين أقاموا سباقاً للهُجن في مدينة حضرموت الجنوبية. وأن مواطناً يمنياً هو الذي تكفل بإقامة المسابقة وأنفق عليها، وكانت هناك جماهير كثيرة تتابع الحدث الذي يعتبر الأول من نوعه منذ سنوات كئيبة وحزينة مرت علي اليمن الذي كنا نقول عنه في الزمان القديم: اليمن السعيد.
سواء معرض الكتاب في دمشق أو سباق الهُجن في حضرموت، كلاهما يشير لحقيقة لا بد أن نمسك بها بأيدينا. ألا وهي أن من يذهب لمعرض الكتاب أو يتوجه لمشاهدة سباق، ومن يشاهد عرض المسرحية، ومن يذهب إلي السينما لا يمكن أن يتطرف. ولا أن يحمل سلاحاً. ولا أن يغتال الحياة. ولا أن يشعر أن بينه وبين الدنيا ثأر لا بد أن يأخذ به. حتي لو دفع حياته ثمناً لما يقوم به.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف