صلاح الحفناوى
بائعة الجرجير.. والأمن القومي
هي سيدة في أربعينات العمر.. وأن كانت تبدو أكبر من عمرها بكثير.. تبيع الجرجير والفجل علي فرشة أمام محطة المترو في ضاحية من ضواحي القاهرة.. سمراء نحيلة هزيلة قليلة الكلام.. إلي هنا هي سيدة عادية لا تختلف عن كثيرات مث.
هذه السيدة تستحق دخول موسوعة جينس للأرقام القياسية.. فهي أم لثمانية أبناء وتنتظر التاسع.. زوجها لا يعمل ويعتمد في توفير"الكيف والمزاج" علي دخل الزوجة من بيع الخضراوات ومما يجود به المحسنون الذين يشفقون علي حالها.. ولكنه في الفراش يستحق وصف المنتج الأعظم.
ثمانية أبناء لبائعة الجرجير.. يحتضنهم الشارع.. فلا مدارس ولا تعليم ولا حتي صنعة يتكسبون منها.. ثمانية أبناء هم مشاريع اجرام وبلطجة.. سوف ينضمون حتما الي أطفال الشوارع.. فالأب غارق مع مزاجه.. والام محنية علي فرش الخضراوات.. ولا أحد يرعي أو يربي أو يتابع.. ثمانية ابناء يحصلون مع أبويهم علي دعم تمويني مباشر 500 جنيه ودعم غير مباشر عبر منظومة الخبز يقترب من الف جنيه شهريا.. ثمانية ابناء يحتاجون الي مستشفيات وإلي وظائف عندما يكبرون بلا خبرة ولا مؤهل.
هذه السيدة تجسد كارثة الكوارث في مصر المحروسة.. الانفجار السكاني الذي يلتهم الأخضر واليابس ويعوق أي أمل في تنمية حقيقية.. ناس لا يملكون قوت يومهم وينجبون ثمانية وعشرة أبناء يتركونهم للمجهول.. ودولة مطالبة بتوفير خدمات ومعاش تكافل وتراحم واعانة بطالة لهم.
في دراسة اجريت قبل حوالي عشر سنوات علي 40 ألف أسرة في القري والنجوع بمحافظات الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا.. واستمرت عامين.. كان عدد متوسط أفراد الاسرة في 70 بالمائة من العينة 8 أفراد في القري و11 فردا في النجوع.. وكانت نسبة الالتحاق بالمدارس في القري 50 بالمائة وفي النجوع 30 بالمائة.. وهي ارقام مخيفة بكل المقاييس.. وخطيرة الدلالة أيضا.
الانفجار السكاني في مصر والذي يبشرنا بتعداد 200 مليون نسمة قبل حلول نصف القرن الحالي.. قضية أمن قومي.. والتعامل معها بمثل هذا التهاون والانفلات يعني كارثة محققة.. والنظرة المتأملة للحالة السكانية في مصر تؤكد أن الاجراءات الحكومية لا تتناسب مع حجم الكارثة التي أظنها أحد روافد الارهاب.. فأطفال الشوارع والابناء الذين يتركون بلا رعاية ولا اهتمام هم قنابل موقوتة.
الظاهرة وصلت الي الحد الذي يستوجب تدخلا تشريعيا وتحركا جديا يرتفع بتحديد النسل الي قمة المشاريع القومية.