أشعر أنني من الكائنات المهددة بالانقراض في زمن فيه فيفي عبده أم مثالية.. لوكا وأورتيجا من أشهر المطربين.. مرتضي منصور رئيسا لنادي الزمالك.. عمرو أديب وأحمد موسي من أبرز الإعلاميين.. الوراق معركة كرامة.. "آه لو لعبت يا زهر" أكثر الأغاني مبيعا.
المعايير اختلت.. الأوراق اختلطت.. لم يعد للذوق الرفيع مكانا.. لم يعد للأدب والأخلاق والسمو أهمية.. لم يعد للفكر قيمة.. حتي شكل ونوعية الجريمة شهدت تحولات جذرية.. باختصار لم يعد المجتمع متوافقا مع الكائنات المهددة بالانقراض التي أنتمي إليها.
قبلا.. كان الشاب الجنتلمان مثار إعجاب واحترام الجميع.. يختار كلماته بعناية.. يتحاور بأدب.. ملابسه تنم عن شخصيته.. مظهره يوحي بالرجولة.. الآن الشاب الروش هو البطل.. البنطلون ساقط.. الأساور علي معصمه.. السلسلة في الرقبة.. قصات شعر مبتكرة أو حتي ضفيرة.. الطناش شعاره.. التبجح أسلوبه.. كلماته مختارة من عبارات التوك توك وكلما كانت وضيعة كان أكثر روشنة.
قبلا.. كانت الفتاة "الليدي" هي القدوة والنموذج.. الأناقة ببساطة دون مبالغة.. الضحكة الخجولة تميزها.. الكلمات الرقيقة شعارها.. الحياء سمتها.. الآن الفتاة "الطلقة" هي النجمة.. مساحيق التجميل تجعلها مثل عروسة المولد صباحا أو مساء.. لا فرق إذا كانت في طريقها للعمل أو الجامعة أو مقابلة الأصدقاء.. الألوان الصارخة في ملابسها تؤذي العيون.. الضحكة "أم ديل".. أسلوبها.. صوتها عال ولا يخلو من كلمات شاردة لتثبت أنها صايعة.
جرائم خطف الأطفال وتجارة الأعضاء وزنا المحارم وقتل الأمهات والآباء لم تكن عناوين الصحف.. القبض علي مسئول كبير متلبسا بالرشوة لم يكن خبرا معتادا.. جرائم الإرهاب والتطرف لم يكن لها مكان.. أصبح الخوف يسكننا ونحن نراقب يوميا الدماء تسفك والجثث تتناثر.. والرصاص ينطلق دون تمييز.
لا توجد لغة حوار بين جميع الأطراف.. ثقافة قبول الآخر اندثرت.. التراشق بالاتهامات والسباب والشتائم أصبح مشهدا معتادا علي شاشات التليفزيون.. الإعلام يفتش عن الإثارة وينهش في العروض من أجل رفع نسب المشاهدة.. ثقافة ضحلة وإعلام منبطح وجرائد إما لتجديد البيعة أو إعلان العصيان.
الشارع في حالة فوضي.. الكلاكسات تصرخ دون مناسبة.. لا أحد يحترم أماكن عبور المشاه إذا كانت موجودة أصلا.. ركن السيارة علي الكيف.. المتسولون يتجولون بحرية في الإشارات.. سائقو التوك توك والميكروباص والتمناية فرضوا سطوتهم علي الطريق.. المطبات الطبيعية والصناعية في كل مكان.. القيادة بإجرام هو شعار الجميع.
إذا تحدثت عن إنجازات فأنت منافق وكلب السلطة وإذا تكلمت عن مساوئ فأنت خاين وعميل وكاره للوطن.. إذا سكت فأنت شيطان أخرس.. في كل الأحوال أنت مدان.
ولأنني أحلم بغد أفضل لأبنائي وأحفادي فإنني أطالب أن نبدأ فورا في تصحيح مفاهيم غريبة علي مجتمعنا وسلوكيات لم تكن موجودة وأن نعيد الانتماء إلي الشباب وأن نحترم ثقافة الاختلاف ونعيد قيم الجمال والخير حتي لا نصبح جميعا كائنات مهددة بالانقراض.