عباس الطرابيلى
البلاستيك الرهيب يدمر حياتنا
يبدو أننا موعودون - دائماً - بكل ما يدمر حياتنا.. وصحتنا ويقتل البيئة أيضاً.. وفى حياتنا الآن تجىء لعبة أكياس البلاستيك شفاف وغيره.. كبيرة وصغيرة.. تصلح لأى شىء، وكل شيء.. دون أن نعرف أنها من أخطر ما اخترعته العقول البشرية.. وأصبحنا نستخدمها فى كل حياتنا.
وكنا - زمان - نستخدم ورق الجرائد والمجلات فى لف المشتريات، غذائية أو غيرها بداية من قرطاس الطعمية إلى قطعة الجبن أو الحلاوة.. أو الخضراوات والفواكه.. وحتى حلاوة المولد من حمص وحَب العزيز إلى الحلاوة القادوم.. تماماً كما استخدمناها فى تنظيف زجاج النوافذ وفرشها على الطبالى ثم ترابيزة السفرة لنأكل عليها.. وكانت هذه وسائل سهلة.. وإن كانت خطرة على الصحة؛ بسبب الأحبار المستخدمة فى طباعتها، خصوصاً فى العصر الناصرى عندما أوقفنا استيراد الأحبار الجيدة.. أيضاً استخدمنا الورق السميك فى تعبئة اللحوم وكان الجزار يستفيد إذ - الورقة الواحدة - لا يقل وزنها عن 10 جرامات!! واستعملنا ورق أكياس الأسمنت كذلك وكل هذه الأنواع كانت ضارة بالصحة..
إلى أن ظهرت الأكياس البلاستيك وأسرفنا فى استخدامها رغم ثبوت أضرارها الصحية على الإنسان.. وعلى البيئة.. لأنها مادة لا تفنى ولا تتحلل عكس الورق وتنبه العالم إلى خطورتها على البشر.. وعلى البيئة.. ولذلك توقف إلى حد بعيد استخدام الأكياس البلاستيك للمحافظة على البيئة والصحة معاً، وعاد العالم إلى استخدام أكياس الورق.. وشنط الورق.. إلا نحن إذ نتوسع فى استخدامات البلاستيك حتى وجدنا المهندس خالد أبوالمكارم، رئيس شعبة البلاستيك بغرفة اتحاد الصناعات الكيماوية، يقول إن الحكومة تتجه إلى إصدار تشريع يمنع استخدام بعض أكياس البلاستيك.. ويكشف أن حجم الاستثمار فى هذه الصناعة بلغ فى مصر الآن نحو 140 مليار جنيه سنوياً.. بل إن مصر تصدر منها ما قيمته 15 مليار جنيه.. وفى هذا الاتجاه ما يدمر كل ذلك.
وخطورة البلاستيك تتركز فى عدم قابليته للتحلل.. بل يظل آلاف السنين فى التربة.. واتذكر هنا ذلك المدفن الرهيب للقمامة فى شرق القاهرة «مقلب الوفاء والأمل» الذى تحول إلى جبل رهيب، كثيراً ما تشتعل فيه النيران بسبب التفاعل البيولوجى والحرارى.. ولكن يبقى البلاستيك دون أى تحلل حتى ولو بالحريق!! وإذا كانت القمامة تمثل عبئاً صعب الحل عندنا.. فماذا بالنسبة للأرض المدفونة فيها هذه القمامة.. وفيها من البلاستيك ما يقتل التربة بل ويقتل الحيوانات، ويقول علماء البيئة البحرية إن ظهور قناديل البحر أمام شواطئنا هذا العام يرجع إلى اختفاء أعداد كبيرة من السلاحف البحرية التى تعشق أكل القناديل.. وهذه السلاحف الآن تنخدع بالأكياس البلاستيك إذا تعتقدها من القناديل.. فإذا أكلتها ماتت بسبب انسداد معدتها بهذا البلاستيك.
هذا عن الأكياس، التى حرمتها الدول المتقدمة.. ماذا عن المصنوعات البلاستيك من مقاعد وطاولات وغيرهما مما دخل حياتنا بديلاً عن المنتجات الشخبية.. وهذه الآن - حتى مقاعد الشواطئ - لا تفنى ولا تتحلل.. فكيف نواجه ذلك أم نترحم على المقاعد «المدادى» على الشواطئ فى المصايف.. والمقاعد الخشبية فى الحدائق وغيرها.. أم أن ثمن هذه المنتجات يغرى من يستخدمها.. حتى دخلت بيوتنا وابتعدنا عن استخدام أشياء من مواد تتحلل وتنتهى مثل المقاعد وغيرها.
وهل تضحى الحكومة فلا تسرع بإصدار التشريع المطلوب خشية أن تتأثر هذه الاستثمارات أم نضحى من أجل الصحة والبيئة.. أم نضع وسائل أخرى للتغليف.. كما فعلت الدول المتحضرة.. التى ضحت بهذه الاستثمارات من أجل البيئة.. ومن أجل صحة البشر؟
وما هو رأى وزير البيئة كثير النشاط الذى يحارب فى جبهات عديدة وكأنه يحفر فى الصخر.. ونحن نتابع معاركه فى البر والبحر والجو على أمل تنقية البيئة من كل الأخطار التى تهدد حياتنا.