حين اجتاحت الحرب العالمية الثانية الدول الأوربية انحسرت الأزمات الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة إبان حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي. انتهت أزمة البطالة وعاد المتفرجون الي دور العرض السينمائية بأعداد متزايدة وسادت حالة من الرواج الاقتصادي.
ولكن سنوات ما بعد الحرب مباشرة واجهت الاستوديوهات في هوليود أزمات من نوع آخر. تمثلت في اضرابات العمال ومطالب الاتحادات العمالية التي تلتها موجات العداء ضد الشيوعية ومطاردة المبدعين في صناعة السينما بدعوي ممارسة "نشاط غير أمريكي" وما صاحبها من مظاهر الحرب الباردة التي انعكست في اختيار موضوعات الأفلام وفي قوائم "لجنة النشاط غير الأمريكي" التي ضمت أسماء كبيرة لمخرجين وكتاب سيناريو مرموقين.
وحين نشبت الحرب ظلت أمريكا تلتزم الحياد الي أن حدث الهجوم الياباني علي بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941. وهنا أحثت هوليود أن تواجه الحدث الرهيب بأفلام مثل "الرقيب يورك" للمخرج هوارد هوكس وبطولة جاري كوبر أحد نجوم أمريكا الكبار. وعلي الرغم من أن أحداث الفيلم تدور ابان الحرب العالمية الأولي فإن الفيلم وجه هجومه علي حالة "العزلة" أو الحياد في دعوة غير مباشرة للدخول في الحرب ومواجهة الأنظمة الفاشية.
وتلاه فيلم "السيدة منيفر" لمخرج مهم وثقيل الوزن فنيا هو ويليام وايلير ثم الفيلم الأشهر "كازابلانكا" "الدار البيضاء" لمايكل كيرتز وبطولة هيمفري بوجارت وفيلم للمخرج إرنست لوتبش "أن تكون أو لا تكون" بطولة النجمة كارول لومبادر التي لم يمهلها القدر لمشاهدته حيث لقت مصرعها قبل بداية عرضه في بداية عام 1942 بسبب حادث طائرة وهو في سن 24 سنة.
وشكلت معارك الحرب في أوربا تهديداً لتوزيع الأفلام الأمريكية في القارة الأوربية. وكذلك توقفت استوديوهات دول المحور من الانتاج وبالذات في المانيا وايطاليا واليابان وذلك في الفترة ما بين 1937 ـ 1938 وتراجع دخل السينما في هوليود من الأسواق عبر البحار وبصفة خاصة في انجلترا.
في نهاية الأربعينيات بقيت بريطانيا وحدها سوقا مفتوحة لأفلام هوليود خارج أمريكا.
وانشغلت معظم استوديوهات بريطانيا من انتاج أفلام دعائية "بروباجندا" لحساب الحكومة.. وبعض هذه الأفلام اكتسبت قيمة فنية وموضوعية مثل "لندن تستطيع" "1940" و"مراقب العمال ذهب الي فرنسا" "1941" و"الأول وسط القلة" "1942".
وهذه الحركة الموجهة بهدف دعم بريطانيا وحكومتها وقتئذ أفرزت فنانين ومخرجين مهمين مثل همفري وجننج الملقب بشاعر الفيلم التسجيلي ومخرج فيلم "انصت الي بريطانيا" "1941" وفيلم "بدأت الحرائق" "1943" التي تستنهض روح بريطانيا في فترة الحرب. وفيلم "هنري الخامس" الذي أخرجه لورانس اوليفيه "1944" مع بداية الغزو البريطاني لفرنسا المحتلة وذلك بهدف اشعال الروح الوطنية التي تشيعها مسرحية شكسبير شاعر بريطانيا ومبدعها الخالد. فقد تضاعف عدد رواد السينما في بريطانيا ثلاث مرات ابان سنوات الحرب "1939 ـ 1945" بينما في فرنسا سيطر النازيون علي صناعة السينما الفرنسية وتم منع الأفلام الانجليزية من العرض. وأمام ذلك سافر اثنان منهم وهما من أفضل مخرجي فرنسا وقتئذ الي هوليود وهما جالد رينوار. ورينيه كلير حتي يتجنبا الرقابة النازية ولا يجبران علي اختيار موضوعات بعيدة عن السياسة.
وبالرغم من ذلك أخرج الفرنسي مارسيل كارنيه فيلمه "زوار المساء" و"رسول الشيطان" 1942 واعتبرهما الفرنسيون تصويرا رمزيا لأحوال فرنسا ولشخصية هتلر التي مثل "الشيطان" خصوصا وان من قام بأداء الشخصية الممثل المحبوب جول بيري.
بعض الأفلام تم منعها وبعضها كان صريحا في انحيازه لدول المحور وكانت الشركة الوحيدة التي تقوم بالتوزيع شركة المانية وكانت تسعي للترويج عن الألمان المحتلين بأفلام موجهة.
ومن المفارقات أن صناعة السينما في هوليود كانت قوية وغزيرة الانتاج ابان فترة الأربعينيات في حين عانت صناعة السينما الأوربية بسبب العداءات الكثيرة التي تعرضت لها.
واجتهدت هوليود ان تقدم لجماهير السينما من الولايات المتحدة أعمالا هروبية مبهجة للتخفيف من وطأة ساعات العمل الطويلة ومن وقع الأخبار الحربية الأليمة والمرعبة التي تأتي من الخارج. ومع دخول أمريكا الحرب العالمية واشتباكها في المعارك تحولت دفة الانتاج الي صنع أفلام وطنية تدعم معنويات الجبهة الداخلية والجنود الذين يخوضون المعارك خارج أمريكا كانت معركة "بيرل هاربور" حاسمة خولت أكثر من ثلث الأفلام الروائية الي أفلام حربية أو لها علاقة بالحرب. واستعاد "الاستوديو" كامل سيطرته علي الصناعة وحققت الأفلام دخلا ماديا كبيرا بالاضافة الي ما قام به السينمائيون والدور الحيوي الذي لعبته هوليود في مجال المجهود الحربي.
فهوليود ليست فقط قلعة لصناعة الأفلام السينمائية وانما للتخديم علي القضايا الوطنية والسياسات الأمريكية وكانت هكذا أبدا سواء في زمن السلم أو أوقات الحروب التي يخوضها "العسكر" الأمريكيون.