منى حلمى
التقدم الصناعى.. والتأخر الإنسانى
«التطور»، ليس بالضرورة التغير إلى الأفضل، والأعلى، والأرقى، والإيجابى، كما يظن بعض الناس. لكنه مجرد «الانتقال»، أو التغير، أو التحول، من حالة إلى حالة أخرى جديدة، إيجابية، أو سلبية.
ولذلك، فإن «التطور»، لا يعنى بالضرورة «التقدم». فالتقدم، يستلزم أن تكون «التطورات» الحادثة فى أى مجال، متناغمة مع قيم العدالة الاجتماعية بين جميع البشر، وجميع الدول.
يمتلئ كوكب الأرض، بالعديد من البلاد، التى وصلت إلى درجة عالية غير مسبوقة، من التطورات الصناعية، والتكنولوجية، والعلمية، أى أنها «متقدمة»، صناعيًا، وتكنولوجيًا، وعلميًا. لكنها «متأخرة» إنسانيًا.
بمعنى أن كل تطوراتها، لا تخدم العدالة الاجتماعية بين جميع البشر، وبين جميع الدول. بل على العكس، نجد أن تطورها العالى غير المسبوق، إنما يستخدم لترسيخ المزيد، من مفاهيم التفرقة العنصرية، والجنسية، والدينية، والطبقية، والعرقية.
لقد لاحظت أن عددًا لا بأس به من الناس، يستخدمون كلمة «تطـور» كأنها مرادفة لكلمة «تقدم». وهم فى هذا الاستخدام، يخلطون بين التقدم «الصناعى»، و«التكنولوجى»، و«العلمى»، وبين التقدم «الإنسانى».
إن الدول مثلًا، التى تفوقت فى صناعة الأسلحة، وجميع أشكال وأدوات التدمير، والخراب، والإبادة الجماعية، وفنون القتل والاغتيالات، وتبيع هذه الصناعة فى بؤر الصراعات السياسية، والفتن الاقتصادية المقنعة بالفتن الدينية، كيف نصفها بأنها «متقدمة»؟ لكن البعض يفعل، ويضعها فى أول قائمة التقدم.
والدول التى تنفق فائض المليارات، فى تمويل أصحاب النعرات الدينية المتعصبة، ودعم الإرهاب الدينى، وإشعال الانقسامات الطائفية، كيف توصف بالتقدم؟ وقد كان بإمكان تلك المليارات المدفوعة سنويًا، أن تُنهى الفقر، والمرض، وتردى الأحوال المعيشية، على كوكب الأرض. لكن البعض يصفها بالتقدم.
أقصد من كلامى، أننا لا بد أن نحذر، ونحن نرصد حالات التطور، وحالات التقدم. ومن الضرورى، الفهم بين «التطور»، و«التقدم».. وما ينطبق على الدول، والجماعات، ينطبق على الأفراد. فالإنسان امرأة، أو رجلًا، قد يتطور عبر مراحل العمر. قد يأخذ منصبًا أعلى.. وقد يزداد دخله الشهرى.. وبالتالى تزداد قوته على الشراء والاستهلاك، والاقتناء والادخار، وامتلاك أرض، أو منتجع، أو شركة، أو عدة شركات.. لكن هذا لا يعنى على الإطلاق، أن التطور فى المناصب، يرادف التقدم الإنسانى العادل فى التفكير، والسلوكيات.
وزيادة الفلوس، ليست مرتبطة بزيادة الاتساق فى الشخصية. والتطور من ركـوب المترو إلى ركوب أحدث سيـارة، لا يؤدى بالضرورة إلى رفض الثقافة الذكورية القاهرة للنساء. والتطور من أكل الفول المدمس، إلى أكل الكافيار، ليس معناه الدفاع عن الدولة المدنية، حيث الدين لله، والوطن للجميع.. وكذلك، لا يوجد دليل، على أن الإنسان المتطور من شاطئ شعبى عام، إلى بلاج خاص، سوف يصبح أكثر كراهية للظلم الاجتماعى.
إن الذين يتقدمون صناعيًا، وماديًا، وتكنولوجيًا، لا يتقدمون إنسانيًا، لخدمة العدالة والحرية. على الجانب الآخر، الذين يتقدمون إنسانيًا، لا يتقدمون صناعيًا، وعلميًا، وتكنولوجيًا.
وهذه هى، «مأساة كوكب الأرض».
من بستان قصائدى
لا جدوى من التمنى.. لا جدوى من الانتظار
الدنيا حولى هى الدنيا.. والليل موحش مثل النهار
لمنْ أصرح بمرارة الشكوى؟.. ومنْ يحترم بوح الأسرار؟
سأعد سريعًا حقيبتى وأجرى.. إلى أول قطار
لن أسأله إلى أين يأخذنى.. فكل المحطات موت وانتحار.