الجمهورية
صالح ابراهيم
موظفون ولكن فوق الحاجة!!
القضية ليست جديدة.. منذ عدة سنوات.. يأتي الوقت تسلط عليها الأضواء والمناقشات.. ثم تنسحب تدريجياً إلي الأدراج والملفات.. يتذكرها أصحاب الياقات البيضاء عند أحاديث المساء والسهرة.. عن الإصلاح الإداري والتنمية.. والتأهيل.. وإهدار الموارد.. عندما تثار بالطبع يصحبها دخان الخوف من قاعدة الموظفين جميعاً.. عن الأسلوب الذي سيتم به الاختيار.. والمعايير التي تحدد احتياجات الدولاب الحكومي لتحسن أوضاع الحكومة في التعامل مع الميري مع الجماهير.. وقد سبقها خطوات تبريرية.. اتفقت علي الاستغناء عن مليوني موظف من قاعدة تعدادها ستة ملايين ؟؟ في كشوف المرتبات والحوافز والتأمينات.. منها الحكومة الإلكترونية التي تقدم خدماتها بالكمبيوتر.. تحت إشراف موظف أو أكثر.. وتنتفي معها الحاجة إلي الخدمة الورقية وتضخم ملفاتها وأرشيفها.. ثم غلق صنبور التعيينات الحكومية.. بعد إلغاء فاعليات قطاع القوي العاملة في الستينيات والسبعينيات.. وكذلك ابتكار حلول لاستيعاب العمالة خارج الصندوق "الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومزارع شباب الخريجين".. وبالأساس تشجيع شراكة القطاع الخاص علي الاستثمار واستيعاب عمالة الشباب.. والذين يقارب نسبتهم 40% من تعداد السكان.. وبنفس التكلفة الباهظة لخلق فرص عمل.. بالإضافة إلي ما ينفق من استثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الأفراد والانضمام إلي قطار التشغيل.
نعود لنؤكد أن الموظف "الترس" الأهم في آلة البيروقراطية والروتين المصرية.. تعتبر المحروسة من أول بلاد الدنيا التي عرفت طبقة الموظفين.. وكان وجودهم ضرورياً لتنظيم شئون الدولة القديمة.. من حصاد وضرائب ومعمار وإسكان وأنظمة إدارية للمدينة تختلف عن القرية.. وجداول الأجور المتنوعة للوظائف.. واختلاف ما يتقاضاه الكاهن عن القاضي عن الجندي.. الوظائف العليا عن الصغيرة.. إلخ.. وفي أوج عصور النهضة وكذلك ما تلاها من عصور ظهرت بها المجاعة والزمات.. ظل الموظف المختص بالشئون المالية - المحتسب- في أعلي الهرم.. لا يستغني عن مشورية والي أو سلطان.. وحتي في العصر الحديث أراد الاحتلال البريطاني تدمير النهضة والتنوير الذي تبناه محمد علي باشا.. وحفيده الخديوي إسماعيل.. بوأد متعمد للكوادر الوطنية "؟؟ الطهطاوي وعلي مبارك علي سبيل المثال".. يخنق التعليم العالي "رطبة ومدارس" واختزال طبقة الموظفين إلي الوظائف الدنيا.. يحصل عليها حاملو الابتدائية.. بل ويحتفل براسبيها أيضاً.. ليظل حسم الأمور في يد الانجليز والأسرة الحاكمة وأبناء الإقطاعيين والوجهاء.
لكن تأتي موجات التقدم الحضاري والإنساني عالية.. تطيح بكل هياكل التخلف وتجاهل إمكانات ومواهب الشعب وتشهد البلاد منظومة إدارية متكاملة.. يغذيها كوادر الشباب أولاً ثم الخبراء المؤهلين بقاعدة تعليمية طموحة.. إلي أن يصيب الجهاز الإداري التضخم.. ويصبح التعيين بالواسطة والروتين.. بحكم العادة.. لا بالكفاءة والإضافة.. ولا ننسي تأثير ثقافة الميري.. وما أفرزته من أعضاء لنجدنا أمام مقولتين مرتبطتين.. الأولي تزعم أن هناك فائض بالجهاز الإداري يزيد علي مليوني موظف.. أصبحوا يعرقلون الأداء.. والثانية تختزل معدل أداء الموظف في 52 دقيقة يومياً.. بل في القطاع الخاص لا يقل عن 8 ساعات.
** ومع النفي الحكومي المتكرر عن الاستغناء.. ومع القرار الحاسم لتدفق خريجي التعليم المفتوح وكلهم يرغبون في تحسين أوضاعهم الوظيفية.. نعتقد أن الأمر يمكن تسويته.. عن فريق وحدات التنظيم والإدارة بالمؤسسات والمصالح الحكومية ويتجه إلي التراضي مع من يريد أن يترك الوظيفة.. أو يحال إلي المعاش المبكر.. خاصة أن التكدس يتركز في الوظائف الدنيا وبما يطلقون عليه الخدمة المعاونة.. ومن يكون في سن الشباب والعطاء ؟؟ منحهم الخيارات المتاحة بالنسبة للتدريب أو التأهيل.. والاقتراح بإلحاقهم بالأعمال الإدارية الناشئة عن خلق مجتمعات عمرانية ومشروعات قومية ومدن جديدة.. وتجهيزهم للتعامل مع الاستراتيجية التنموية.. بعيداً عن خطايا البيروقراطية والروتين التي عاني منها الوادي القديم كثيراً.. وأفرزت مجلدات من الممارسات الخاطئة والتفسيرات القانونية ذات الأوجه المتعددة.. ومع الحديث عن التكدس.. يتحقق دائماً الانطلاق ويقف للتدليل علي أننا أمام أزمة وظيفية حقيقية.. ما صرح به رئيس الوزراء من أن تكلفة علاوة يوليو للموظفين بأثر رجعي بعد إقرار قانون الخدمة المدنية تكلف الخزانة 3.5 مليار جنيه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف