عباس الطرابيلى
ماسبيرو زمان.. عظمة يا ست
لست وحدى ـ بحكم السن ـ من يعشق قناة ماسبيرو زمان، بل يعشقها أيضًا شرائح عمرية، من الشباب الباحث عن الفن الأصيل.. الرافض لفن السنجة والمخدرات وأهم ما يبرزه هؤلاء هو فن العشوائيات.
ولا شك فى أن نسبة مشاهدى هذه القناة تزداد يومًا بعد يوم.. بل أعترف أننى فى ساعات فراغى ـ رغم قصرها ـ ألجأ إلى ماسبيرو زمان لكى أستمتع.. وليس فقط أسترجع تلك الأيام «التى كانت» عظيمة فى حياتنا، بل تصيبنى الدهشة عندما ألمح نظرات الإعجاب والاندهاش مما تعرضه.. وكأنهم يطلبون المزيد.
واللافت للنظر أن هذا الإعجاب ليس مقصورًا على أفلام الأبيض والأسود.. بل كثير من المسلسلات وأفلام الألوان ـ فى بدايات التليفزيون الملون، الذى كانت لبنان هى الأسبق فى ادخال الألوان فى النصف الأول من السبعينيات.
<< ولكننى أتابع «ماسبيرو زمان» لكى أسترجع شوارع القاهرة زمان.. بل والريف المصرى كذلك.. والتزام الناس بالسلوكيات الطيبة، وأسترجع ملابس زمان فى الصيف وفى الشتاء.. وكيف كانت عندنا ملابس للصيف وأخرى للشتاء.. بل وملابس أيضًا للخريف. أما الآن لم يعد عندنا إلا شهور الصيف الطويلة.. وظهور الشتاء القليلة والكتان وملابس مصنوعة من التلة والتيل للخريف والصيف.. وملابس التويد الصوفية للسيدات.. والموهير والصوف الثقيل للرجال شتاءً.. والأبيض مع البنى صيفًا.
كذلك أستمتع باستعادة صور رواد السينما والمسرح زمان. وتابعوا معى نوعية وملابس الرجال والنساء الذين يذهبون للاستماع إلى أم كلثوم.. وكذلك ملابس الفنانين زمان.. وقارنوها بملابسهم فى أفلامهم الآن.. والله يرحم قميص اللينو الشوربجى أو تريكولين البيضا بالياقة المنشاة.. والياقة «الاستبن» وكذلك الأساور.
<< فهل معنى ذلك أننى أهوى ما فات من أيام، وأعشق رائحتها؟. بكل تأكيد نعم. بل إننى أرفض ملابس بعض الصحفيين الآن ـ خصوصًا هذا الجينز المقطع للفتيات وللرجال.. وشعر الذقن غير المحلوق.. ولا أعرف بأى وجه يذهب الصحفى الآن ليلتقى وزيرًا أو مسئولاً. بشعره المهوش الذى لم يعرف المشط طريقه إليه؟ وأتذكر كيف كان عميدنا مصطفى أمين يؤكد علينا أن تكون ملابسنا غاية فى النظافة والتكامل.. وكان لا بد أن يرتدى الصحفى البدلة الكاملة والقميص المكوى.. حتى انه أول من ابتدع فكرة بدل نقدى شهرى للصحفى ممن يذهبون إلى رئاسة مجلس الوزراء والبرلمان.. ورئاسة الجمهورية.
<< ترى.. ماذا حدث لمصر، ليس فى نصف القرن السابق فقط، فى السنوات العشر الأخيرة.. التى نشهد فيها انهياًرًا سلوكيًا رهيبًا.. ودعونا من الانهيار الأخلاقى وهل هذا هو ثمن الثورة التي دمرت كثيرًا من الاخلاقيات الحميدة.. إن كان ذلك هو السبب: ملعون أبو أى ثورة تدمر اخلاقيات الشعوب.
ورغم أننى أرفض أن يحمل مبنى التليفزيون اسم ماسبيرو رغم ما أداه من خدمات للآثار المصرية الفرعونية.. ورغم أن مصر أطلقت اسمه بعدها على جزء من شارع النيل ـ وهو الجزء من كوبرى قصر النيل جنوبًا، وحتى كوبرى أبوالعلا ـ 15 مايو الآن ـ شمالًا ورغم أن اسم الشارع كله رسميًا هو شارع جمال عبدالناصر.. إلا أن الاسم «لزق» خلاص.
<< وهنا أذكر بالخير كله كل من أعاد إلينا هذه الأمجاد الفنية من الراحلة صفاء حجازى وغيرها.. ولكن هؤلاء ـ فعلاً ـ أرادوا أن نعود إلى هذا الزمن الجميل، زمن الفن الراقى فى الألفاظ، وفى الحوار، وفى السيناريو، وفى الأداء.. تم بهدف أن نستعيد سلوكيات هذا الزمن الرائع زمان.. ولو من خلال مسلسل أو فيلم أو مسرحية.
وكما كان الفن زمان يهذب سلوكيات الناس، فإن الفن الآن يقود أخلاقنا إلى الانهيار.. والانحدار.. وعمار يا ماسبيرو زمان.