ماجد حبته
ما فعله «الألمان» للقضاء على فلول «الخرفان»!
إذا كانت تمشى مثل البطة، وصوتها كصوت البطة، إذن فهى بطة.
هذا ما يقوله المثل الإنجليزى، الذى يمكن إعادة صياغته ليكون: «إذا كان يمشى مثل الخروف، وصوته كصوت الـخروف، ويردد كلام «الخرفان»، إذن فهو خروف». أو بصيغة أكثر وضوحًا: إذا كان يتصرف مثل الإخوان ويردّد كلام الإخوان ويرفع شعارات الإخوان، إذن فهو إخوان، وفى قولٍ آخر، إرهابى.
هكذا، كان طبيعيًا أن تعتقل السلطات المصرية، سائحين صينيين كانا يلتقطان صورًا لبعضهما البعض بكاميرا هاتفيهما المحمولين، أمام مبنى البرلمان المصرى، وهما يرفعان أصابعهما الأربعة كما كان يفعل أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية المعتصمون فى ميدان رابعة العدوية، وهو الرمز المعروف بـ«علامة رابعة».
السلطات المصرية وجهّت إلى السائحين الصينيين تهمة «استخدام رموز منظمات غير شرعية»، وتم الإفراج عنهما بكفالة قدرها ١٠ آلاف جنيه (٦٠٠ دولار أمريكى تقريبًا) لكل منهما. ويمكن أن يواجه الصينيان، اللذان يبلغان من العمر ٣٦ عامًا و٤٩ عامًا، حكمًا بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، طبقًا للقوانين المصرية الصارمة بشأن استخدام الشعارات والرموز المرتبطة بجماعة الإخوان الإرهابية، التى حكمت البلاد بين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣. وتُعد هذه الاتهامات هى الأكثر شيوعًا فى مصر لملاحقة الأشخاص المنتمين إلى تلك الجماعة.
إيه اللى بيحصل ده؟!.. إيه اللى أنا شايفه ده؟!.. إيه الحلاوة دى؟!
قبل أن تستعير صوت الأستاذ «حكيم» لتغنى أو تهتف، أدعوك إلى أن تردد الأسئلة أو العبارات السابقة بصوت الأستاذ علاء ولى الدين، مع إضافة ما أضافه: «لف وارجع وتانى.. لف وارجع تانى». وعليه، سأستجيب للنداء، وسألف وأرجع تانى، وأنقل لك الخبر، كما نشرته صحف ومواقع عديدة، لا كما تخيلته!. تحت عنوان «اعتقال سائحين صينيين فى ألمانيا لأداء تحية النازى»، نشر الموقع الإلكترونى لهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، مساء الأحد: «اعتقلت السلطات فى العاصمة الألمانية برلين سائحين صينيين بعدما أدّيا التحية التى كان يستخدمها الزعيم النازى أدولف هتلر أمام البرلمان.
وباشرت السلطات الألمانية الإجراءات الجنائية بحق الرجلين، وهما فى منتصف العمر، بتهمة استخدام رموز خاصة بمنظمة محظورة».
وأطلق سراح الاثنين بكفالة قيمتها ٥٠٠ يورو (نحو ٦٠٠ دولار) لكل واحد منهما. وتطبق السلطات الألمانية قوانين صارمة فى ما يتعلق بترويج خطاب الكراهية والرموز المرتبطة بهتلر والنازية. ويمكن أن يواجه الصينيان، اللذان يبلغان من العمر ٣٦ عامًا و٤٩ عامًا، حكمًا بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، حسب الشرطة. وتعد هذه الاتهامات الأكثر شيوعًا فى مقاضاة أشخاص ينتمون إلى اليمين المتطرف فى ألمانيا.
وقالت متحدثة باسم الشرطة لوكالة «فرانس برس» إنه بإمكان الرجلين مغادرة ألمانيا خلال مرحلة التحقيقات، وأنه إذا فرضت عليهما غرامة، فإن قيمة الكفالة التى تم سدادها بالفعل ستغطى قيمة الغرامة على الأرجح. وشوهد السائحان الصينيان وهما يلتقطان صورًا لبعضهما البعض بكاميرا هاتفيهما المحمولين خارج مبنى البرلمان.
انتهى نص الخبر أو بالبلدى End of text، أما ما لم توضّحه الـBBC، أو غيرها، فهو أن تحية «هتلر» أو التحية النازية، كانت هى التحية الرسمية أيام ألمانيا النازية، وفيها يمد الشخص ذراعه اليمنى فى الهواء بشكل مستقيم، قبل أن يقول «Heil Hitler» أى «يحيا هتلر»، أو «Heil Führer» أى «يحيا القائد». وقد اعتمد الحزب النازى هذه التحية إظهارًا للطاعة والولاء لـ«هتلر». وكانت تلك التحية إلزامية على المدنيين، لكنها كانت طوعية أو اختيارية للعسكريين، الذين احتفظوا بالتحية العسكرية، حتى وقت قريب من محاولة اغتيال هتلر سنة ١٩٤٤، وبعدها صارت التحية إلزامية على الجميع!.
التحية الشفوية الألمانية «Heil» ظهرت فى الحركة القومية الألمانية منذ سنة ١٩٠٠، وقيل إن لها جذورًا مرتبطة بالأعراف والتقاليد الرومانية. وبدأ استخدامها رسميًا، فى ألمانيا سنة ١٩٢٣، حين رفع أعضاء الحزب النازى الذراع اليمنى، لتحية «هتلر« بقوة. وتعبيرًا عن قبوله التحية، رفع هو الآخر ذراعه اليمنى، وخفض مرفقه الأيمن، وفتح راحة كفّه.
ومن هنا، جرى اعتماد تلك التحية، ومنذ سنة ١٩٢٦ أصبحت معادلًا أو ترجمةً للالتزام بمبادئ الحزب النازى. أما مَن كانوا يعانون من إعاقة جسدية فى يدههم اليمنى، فتم السماح لهم برفع اليسرى. وكان هتلر يؤدى التحية النازية بطريقتين، فحين يلتقى بالقوات أو الحشود، يؤديها بشكل صارم، وحين يلتقى الأفراد، كان يحنى ذراعه اليمنى، ويفتح يده تجاه الناس مع رفع الكتف. ومنذ فترة، ظهر من أطلقوا على أنفسهم اسم «النازيون الجدد» وبدأوا يستخدمون تلك التحية. فلاحقتهم السلطات الألمانية، كما لاحقت وتلاحق، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كل مَن يؤديها بقصد أو من دون، كحالة السائحين الصينيين «الغلابة»، اللذين كانا يمزحان غالبًا، أو اعتقدا أن أصدقاءهما لن يصدقوا أنهما فى ألمانيا لو لم يقوما بتأدية التحية التى ربما لا يعرفان غيرها!. قبل أن تلتقط أنفاسك، أضيف أنه منذ عام تقريبًا، تحديدًا يوم الأربعاء ١٣ يوليو ٢٠١٦، أعلنت الشرطة الألمانية، أنها قامت بعمليات مداهمة لمنازل أشخاص كتبوا تعليقات تمجّد النازية أو معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعى وخصوصًا «فيسبوك». وأوضحت الشرطة أنها داهمت منازل نحو ٦٠ شخصًا فى ١٤ مقاطعة من مقاطعات البلاد الـ١٦، وتمت مصادرة أجهزة كمبيوتر وكاميرات تصوير وهواتف ذكية.
أيضًا، قامت السلطات الألمانية، فى ٢٣ سبتمبر ٢٠١٦، بالتحقيق مع رودولف مولر، العضو البارز فى حزب «البديل من أجل ألمانيا» القومى، مرشح الحزب فى انتخابات ولاية سارلاند غربى البلاد، لأنه باع ميداليات وعملات قديمة فى جاليرى يمتلكه. وطبقًا لما ذكرته وكالة «أسوشيتد برس»، فإن مولر، متهم بخرق القانون الذى يحظر استخدام الرموز النازية التى تشمل الصليب المعقوف الذى كان موجودًا على الميداليات والعملات التى قام ببيعها والتى تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية.
قبل هذا وذاك، قامت سلطات ولاية بافاريا الألمانية، فى ٢٣ يوليو ٢٠١٤، بحظر جماعة «فرى نيتوورك ساوث» بزعم أنها تضم عناصر من «النازيين الجدد». ووقتها قامت الشرطة الألمانية بمداهمة وتفتيش شقة فى بلدة ريجنيتزلوساو، شمال بافاريا، لمجرد أن مالكها صاحب محل ملابس يسمى «فينال ريزستانس ميل أوردر»، جرى اتهامه بدعم أنشطة تلك الجماعة.
تلك هى الصيغة التى تتعامل بها ألمانيا، مع بقايا النازيين أو المتعاطفين معهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولا أعتقد أن بإمكاننا القضاء على «الإخوان» إلا إذا استفدنا من «التجربة الألمانية»، تجربة ناجحة، نسبة الخطأ فيها تكاد تقترب من الصفر، وتتلخص فى استئصال بقايا الحزب الوطنى العمالى الاشتراكى، الذى كان معروفًا باسم «الحزب النازى»، وتجريد كل من عملوا معه من وظائفهم، وإبعادهم عن أى مركز من مراكز التأثير. وقديمًا قالوا إن الحكيم يتعلم من تجارب الآخرين، والأحمق يتعلم من أخطائه. وأضيف إلى ما قاله الأقدمون أن من لا يتعلم من أخطائه أو أخطاء وتجارب غيره، فإنك تظلم الحمقى حين تقول إنه أحمق!.
الألمان أدركوا أن قطع الحشائش الضارة لا يغنى عن اجتثاثها، أو استئصالها من جذورها. أدركوا أن القطع يمنحها فرصة النمو من جديد، وأن بقاء الجذور سيكون سببًا فى إعادة نمو تلك الحشائش الضارة من جديد. فلم يكتفوا بحل الحزب، بل قاموا كذلك بتفكيك كل الأجهزة والكيانات المرتبطة به، ونجحوا أيضًا فى عزل أعضائه عن كوادره، وقضوا على أى احتمال لتجميع هذا الحزب لقواه.
مبادئ سياسية وأساسية، تم وضعها لاجتثاث النازية بدأت بتفكيك وإلغاء الحزب النازى وتشكيلاته ومؤسساته الفرعية وجمعياته واتحاداته ومنظماته وجميع المؤسسات الشعبية النازية ومنع عودة أفكاره بأى شكل من الأشكال، ولم تقف عند حد إقصاء أعضاء الحزب والأشخاص الذين كانوا يعملون فى المراكز القيادية فى نشاطات داعمة للنازية، أو من اشتركوا فى جرائم، وحتى المتعاطفين مع النازية.
تزامنًا مع هذه الإجراءات، تم اتخاذ كل الاحتياطات لمنع حدوث تلاعب فى الوثائق والأوراق والملفات والمعلومات الخاصة بالحزب النازى. وأعيد تأسيس النظام التعليمى ووضع برنامج إيجابى لإعادة التوعية مع إزالة كل ما له علاقة بالنازية من المناهج الدراسية وتطهير النظام التعليمى بالكامل من التابعين للحزب. كما تم تطهير كل الكيانات المهمة والمؤسسات، التى كان يسيطر عليها الحزب النازى أو أشخاص تابعون له أو مكاتب خاصة تعاونت معه، بعزل ١٠٠ ألف شخص من القطاع العام و٣٠٠ ألف من القطاع الخاص، بعد مصادرة كل الشركات الخاصة التى يملكها أو يسيطر عليها نازيون. ولم تمر سنة إلا وأصبح ٩٠٠ ألف نازى فى معسكرات الاعتقال، ومليونان ممنوعين من العمل!.
بعد تفكيك الحزب، وسد كل الثغرات أمام احتمالات عودته، قام الألمان بعملية تطهير فكرى استغرقت وقتًا طويلًا، لا يزال مفعولها ساريًا إلى اليوم، وأبسط مثال على ذلك، هو تسمية المواليد باسم «هتلر»، ومنع تحية الحزب النازى، وما زال القانون الألمانى الحالى يمنع ذلك ويعتبره جريمة تستحق العقاب. كما حدث مع السائحين الصينيين فى الواقعة التى أشرت إليها فى البداية، والتى أعتقد أنك «اتخضيت» كما «اتخض» الحاج كامل، حين خرج له الأستاذ «كتكوت أبوالليل» من حمام السباحة!.
«مش أحسن ما نكون زى سوريا ولّا العراق»؟!.
تدريجيًا، كادت تختفى تلك العبارة التى شاعت بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ورددّها كثيرون من مؤيدى الثورة، وتهكّم عليها غالبية معارضيها، طارحين السؤال المنطقى: لماذا المقارنة بالأسوأ؟! وبناء عليه، وعلى كل ما تقدّم، لا أعتقد أن أحدًا سيختلف معى لو قلت: لا نريد أن نكون مثل سوريا، العراق، ليبيا، أو اليمن.. بل نريد أن نكون كـ«الألمان» ونفعل ما فعلوه، للقضاء على فلول «الخرفان»!.